لنت لهم: ترفّقت بهم .
الفظ: الشرس الأخلاق ،الجافي العشرة .
القلب الغليظ: القاسي الذي لا يتأثر باللطف والرقة .
انفض: تفرق .
المشاورة: أخذ آراء الذين حولك من العقلاء وذوي الرأي .
التوكل: تفويض الأمر إلى الله ،للثقة بحسن تدبيره ،مع أخذ الأهبة واستكمال العدة .
بعد أن أرشد الله المؤمنين في الآيات المتقدمة إلى ما ينفعهم في دنياهم وأخراهم ،اتجه في الخطاب هنا إلى الرسول الكريم بهذا التعبير الدقيق اللبق ،والمدح العظيم .فهو يريد أن يلطّف الجو بعد معركة أحد ،ويخفف مما في نفس الرسول على القوم الذين كانوا سبباً في تلك النكبة .
ويتوجه سبحانه إلى الرسول بهذه الآية والتي بعدها يطيّب قلبه ،وإلى المسلمين يشعرهم بنعمة الله عليهم به ،ويذكّرهم رحمة الله الممثلة في خُلقه الكريم .
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القلب لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فاعف عَنْهُمْ واستغفر لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّ الله يُحِبُّ المتوكلين} من رحمة الله عليك أن عاملتَ أصحابك بعد رجوعهم باللين والرفق ،وهذا شيء خصّك الله به ،فقد حباك بآداب القرآن العالية وحِكمه السامية ،فهانت عليك المصائب .هذا مع أنَّ كثيرا من أصحابك قد استحقوا اللوم والتعنيف ،إذ تركوك وقت اشتداد الهول فيما الحرب قائمة على أشدها .
{وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القلب لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} ولو كنت يا محمد ،رجلاً خشناً جافيا في معاملتهم لتفرقوا عنك ،ونفرت قلوبهم منك ،فلم تتم هدايتُهم وإرشادهم إلى الصراط المستقيم .
هكذا يجب أن تكون أخلاق الزعيم والقائد والحاكم ،فإن الناس في حاجة إلى رعاية فائقة وقلب رحيم ،وحلِم لا يضيق بجهلهم وأخطائهم ،لا إلى حاكم متعالٍ يتطاول بالغطرسة وادّعاء العظمة في غير حق .وما أرحمَ ما كان قلب الرسول الكريم ،وما أجمل ما كانت سيرته مع الناس ،ما غضِب لنفسه قط ،ولا ضاق صدره بضعفهم البشري ،بل وَسِعَهم حلمُه وبره وعطفه .وسيرته طافحة بذلك .
{فاعف عَنْهُمْ واستغفر لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر} ما أحلى هذا الكلام وما أرقّه وأعطفه !وما أعظم قوله سبحانه{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر} ،فهو نص قاطع في تقرير مبدأ الشورى في الحكم الإسلامي ،لا الاستئثار بالسلطة الفردية المتحكمة .وإنه لمبدأ عظيم هذا الذي يقرره القرآن بصدد ذلك ،وهو المعمول به اليوم عند الأمم الراقية التي سبقتنا .أما نحن فقد تأخرنا لأننا أدرنا ظهرنا لهذه التعاليم الحكيمة الراشدة ،واتّبعنا مبدأ التسلُّط والقهر .واتخذنا اسم «الرعيّة » وكأنه من الرعي للسائمة لا من الرعاية للبشَر .
فإذا عقدت عزمك يا محمد ،على أمر بعد المشاورة ،فامض فيه متوكلاً على الله ،إن الله يحب الواثقين به ،فينصرهم ويرشدهم إلى ما هو خير لهم .
إذنْ فالتوكل يجب أن يكون مقروناً بالسعي والعزم والعمل ،لا نابعاً من التقصير ورغبة في التخلص من العناء ،وإلا فهو تواكلٌ يمقُتُه الله .
في الحديث المعروف الذي رواه الترمذي والبيهقي وأبو نعيم وابن أبي الدنيا وابن حبّان .«قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: أعقلُ ناقتي وأتوكل أو أطلقها وأتوكل ؟فقال له الرسول الكريم: «اعقِلها وتوكل » .
وقد سار هذا الحديث مثلاً .