اعتنى القرآن الكريم بالمال ،والمحافظة عليه ،والحث على تحصيله بطرق مشروعة ،في كثير من الآيات .وفي هذه السورة جاءت العناية بالأموال من أولها عندما طلبت العناية باليتامى وحفظ أموالهم ،ثم حذّرت من إعطاء السفهاء أموالهم .وهنا جاء النص واضحاً على العناية بالأموال والمحافظة عليها ،وذلك لأن الأموال عنصر لا بد منه في الحياة ،وهناك كثير من الأمور تتوقف عليها الحياة وسعادتها ،من علمٍ ،وصحة ،واتساع عمران ،لا سبيل للحصول عليها إلا بالمال .
ولا ريب أن الأموال هنا تشمل أموال الأفراد وأموال الأمة لأنه تعالى قال:{وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ} بمعنى أنه يحرم على الأفراد أن يأكل بعضهم مال بعض بالباطل .ومن ثم فإن أكل أموال الأمة أو وضعها في غير مصلحتها لهو أشد حرمة عند الله ،وأكبر جرماً في نظر الإنسانية .لذلك يجب أن نحافظ على أموال الأمة والدولة كما نحافظ على أموال الأفراد .
يا أيها الذين آمنوا لا يأخذ بعضكم مال بعض بغير حق ،وقال ( أموالكم ) فأضافها إلى جميع الأمة ،تنبيهاً إلى تكافل الأمة في الحقوق والمصالح كأن مال كل فرد هو مال الأمة جميعا .فإذا استباح أحدهم أن يأكل مال الآخر بالباطل: كالربا والقمار ،والرشوة والسرقة ،والغش والتسول ،وغير ذلك فقد أباح لغيره أن يأكل ماله .
لقد أباح لكم التجارة بينكم عن طريق التراضي ،والعملَ الحِرفي في نواح عديدة من الكسب الحلال .ثم لما كان المال شقيق الروح ،فقد نُهينا عن إتلافه بالباطل كَنهْيِنا عن قتل النفس .{وَلاَ تقتلوا أَنْفُسَكُمْ} .وهذه إشارة بليغة جداً تُبيّن أنه: لمّا كان من شأن أكل أموال الناس بالباطل أن يغرس الحقد في القلوب ،وكثيرا ما يؤدي ذلك إلى القتل والشر ،فقد قرنهما الشارع وجاء بهذا التعبير العظيم .ولا ريب في أن من سلب مال إنسان إنما سلبه عنصراً هاماً من عناصر الحياة وصيّره في حكم المقتول .{إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} بنهيكم عن أكل الأموال بالباطل ،وعن قتل أنفسكم فتهلكون .