{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ}
تمهيد:
بعد أن ذكر فيما سلف كيفية معاملة اليتامى وإيتاء أموالهم إليهم عند الرشد وعدم دفع الأموال على السفهاء ،ثم بين وجوب دفع المهور للنساء وأنكر عليهم أخذها بوجه من الوجوه ،ثم ذكر وجوب إعطاء شيء من أموال اليتامى إلى أقاربهم إذا حضروا القسمة ،ذكر هنا قاعدة عامة للتعامل في الأموال ؛تطهيرا للأنفس في جمع المال المحبوب لها فقال:
29-{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ .يأيها الذين آمنوا لا يأخذ بعضكم مال بعض بغير الحق أي: بأنواع المكاسب غير المشروعة كأنواع الربا ،و القمار ،و السرقة ،والغصب ،والرشوة ،واليمين الكاذبة ،وشهادة الزور ،ونحو ذلك مما حرمه الله .
وبين وسيلة من وسائل الكسب الحلال ،وهي التجارة القائمة عن تراض يتعامل الناس قفيها معا ،ويقيمونها بينهم كما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وفصلها الفقهاء في كتبهم ،ويلحق بالتجارة كل أسباب التملك التي أباحها الشارع كالهبة ،والصدقة ،والإرث .
وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ .أي: بارتكاب محارم الله وتعاطي معاصيه وأكل أموالكم بينكم بالباطل ،
إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا .فيما أمركم به ونهاكم عنه .
روى الأمام أحمد وأبو داود: أن عمرو بن العاص كان أميرا على الجيش في سرية ذات السلاسل فأصبح جنبا في ليلة باردة شديدة البرد ؛فتيمم وصلى بأصحابه ثم أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله ،احتلمت في ليلة باردة وأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ؛فذكرت قول الله عز وجل: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما .فتيممت ثم صليت ؛وضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا{[1]} .
وفي الصحيحين: ''من قتل نفسه بشيء عذب به إلى يوم القيامة ''{[2]} .
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: '' من تردى من جبل فقتل نفسه ؛فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا ،ومن تحسى سما فقتل نفسه ؛فسمه في يده يتحساهفي نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ،ومن قتل نفسه بحديدة ؛فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا''{[3]} .