ما قدروا الله حق قدره: ما عرفوه حق معرفته ،والقدر والمقدار: القوة أيضا .والقدر الغِنَى والشرف .
قراطيس: واحدها قرطاس ،وهو ما يُكتب فيه من ورق أو جلد أو غيرها .
ذرهم: اتركهم .
خوضهم: كلامهم بالباطل ،وتصرّفهم الشائن .
بعد أن ذكر الله ما تفضل به على إبراهيم والأنبياء الذين ذكرهم ،وأنه اجتباهم وهداهم إلى الصراط المستقيم ،وأمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يهتدي بهُداهم ،جاء في هذه الآيات يندّد بمنكِري الرسالات ،ويصفهم بأنهم لا يقدّرون الله كما يجب ،ولا يعرفون حكمته ورحمته وعدله .ومن ثم يقرّر أن الرسالة الأخيرة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم تجري على سنّة الرسالات قبلها ،فالقرآن الكريم مصدّق لما سبقه من الكتب ،وكلُّ من عند الله .
ما قَدّر هؤلاء الكفار الله حق التقدير ،إذ أنكروا أن تنزل رسالتُه على أحد من البشر .فقل أيها النبي للمشركين ومن يشايعهم على ذلك من اليهود: إذنْ من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ،نوراً يضيء ،وهدى يرشد ؟إنكم أيها اليهود ،تجعلون كتابه في أجزاء متفرقة ...تُظهرون منها ما يتفق وأهواءكم ،وتُخفون ما يٌلجئكم إلى الإيمان بالقرآن والنبي .هكذا مع أنكم علمتم منه ما لم تكونوا تعلمون ،لا أنتم ولا آباؤكم .
وبعد أن بيّن سبحانه إنكار المنكرين للوحي بعبارة تدل على جهلهم ،قال لرسوله: تولَّ إذن أيها النبي الجوابَ وقل لهم: إن الله هو الذي أنزل التوراة ،ثمّ دعْهم بعد هذا فيما يخوضون فيه من باطلهم وكفرهم .
ومن المؤسف أن هذا القول الذي قاله مشركو مكة في جاهليتهم إنما يقوله أَمثالهم في كل زمان .بل منهم من يقولونه الآن ،ممن يزعمون أن الأديان من صنع البشر ،قد تطوّرت وترقت بتطور البشر في أحوالهم .وكثير من هؤلاء المثقفين على أيدي الأجانب ،وكثير منهم يحتلّ مراكز كبيرة في الدول العربية والإسلامية غرّتهم الحياة الدنيا ،وغرهم الغرور .
قراءات:
قرأ أبو عمرو وابن كثير: «يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون » بالياء ،والباقون «بالتاء » .