نزعنا ما في صدروهم: أخرجنا من نفوسهم كل حقد .
الغل: الحقد من عداوة أو حسد .
أورثتموها: صارت إليكم كما يصير الميراث إلى أهله .
لقد أخرجْنا ما كان من صدورهم من حقد ،فهم اليوم في الجنة ،إخوان متحابّون- وهذا بخلاف الكّفار الّذين يلعن بعضُهم بعضا- تجري من تحتهم الأنهار بمائها العذب ،ويعبّرون عن سرورهم بما نالوا من النعيم قائلين: الحمدُ لله الّذي هدانا فدلَّنا على طريق هذا النعيم ،ووفّقنا إلى سلوكه .ولولا أن هدانا الله ،بإرسال الرسل وتوفيقه لنا ،ما كان في استطاعتِنا أن نهتدي وحدنا .لقد جاءت رُسل ربّنا بالوحي الحق فآمنّا برسالاتهم .
وهنا يناديهم ربهم ويقول لهم: إن هذه الجنةَ هبةٌ من الله أُعطيتموها فضلاً مني دون عوض منكم ،كالميراث ،كل هذا جزاء إيمانكم وأعمالكم الصالحة في الدنيا .
قراءات:
قرأ ابن عامر: «ما كنا لنهتدي » بدون واو .والباقون: وما كنا لنهتدي .
روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخّدري وأبي هريرة رضي الله عنهما ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أهلُ الجنة الجنةَ ،ينادي منادٍ ،إن لكم أن تَصِحُّوا فلا تَسْقموا أبدا ،وإن لكم أن تَحيوا فلا تموتوا أبدا ،وإن لكم أن تَشُبّوا فلا تهرَموا أبدا ،وإن لكم أن تَنْعَموا فلا تيأسوا أبدا » .
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سَدِّدوا وقاربوا وأبشِروا ،فإنه لا يُدخِل أحداً الجنةَ عملُه » قالوا: ولا أنت يا رسول الله ؟قال «ولا أنا ،إلا أن يتغمّدَني الله بمغفرٍة ورحمة » .
سدِّدوا وقاربوا: لا تغْلوا في دينكم ،ولا تتكلفوا من العمل ما لا طاقة لكم به .
وهذا الحديث تنبيهٌ من النبي الكريم لنا حتى لا نغترَّ بأنفُسِنا وبأعمالنا فنتّكلَ عليها كما يفعل كثير من المتدينين .فنراهم يشمخون بأنوفهم ،ويتعالون على غيرهم ،وهذا ليس من الإسلام .
ومعنى الحديث: إن هذا الجزاءَ الذيَ يحصَل عليه الطائعُ ليس بَدَلاً مماثلاً لطاعته ،وليس جزاء مساوياً كالشأن بين البدَلَين ،وإن كانت الطاعة هي التي أوجبتْه .لذا فإنه لن يدخلَ أحدُكم الجنةَ بعملٍ يساوي ما فيها من النعيم .ففضلُ الله عظيمٌ سابغ باعتبار جعلِه الجنةَ بَدَلاً من عمل محدود لا يقابلها في ذاته .