{ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون 28 بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين 29} [ 28-29] .
في الآية الأولى تمثيل وتشبيه في معرض الإفحام والتقريب موجّه للسامعين ومتضمن السؤال عما إذا كانوا يرضون أن يكون مماليكهم شركاء لهم في أموالهم يحسبون حسابهم في تصرفاتهم ويخافون من محاسبتهم لهم أو مقاسمتهم أو مناظرتهم ،وتعليق على هذا التمثيل بأن الله يفصل ويبين آياته بالأمثال ليقرب إلى أذهان الناس حتى يتدبرها من تعقل ورغب في معرفة الحق .
وفي الآية الثانية استدراك في معرض بيان حقيقة أمر الكافرين فهم في عقائدهم وتقاليدهم يتبعون أهواء النفس ولا يستندون إلى عقل وعلم ومنطق ؛ولذلك لا يجدي فيهم البرهان والإقناع والأمثال ،ولن ينالوا عند الله فوزا ولا نجاحا ،ومن كان هذا شأنه عند الله فلن يجد له من بعده نصيرا ولا حاميا .
والآيات غير منقطعة من حيث الجوهر عن الآيات السابقة .والمقصد من المثل هو إفحام المشركين .فهم لا يرضون أن يكون مماليكهم شركاء وأنداد لهم مع أنهم في الطبيعة والخلقة فكيف يصح في عقولهم أن يجعلوا لله شركاء وأندادا من خلقه وأن يظنوا أن الله يرضى بهذا .
والتأويل الذي أولناه لجملة{فمن يهدي من أضل الله} مستمد من روح الآيات .فالكفار قد انحرفوا عن طريق الحق واتبعوا الأهواء بغير علم فأضلهم الله أي حرمهم من التوفيق والسداد .وهذا من قبيل{وما يضل به إلا الفاسقين} [ البقرة: 26]{ويضل الله الظالمين} [ إبراهيم: 27] على ما نبهنا عليه في المناسبات الكثيرة المماثلة ،ومع ذلك فهي تقرير لواقع أمر الكفار حينما نزلت الآيات وليست تقريرا حتميا لمستقبلهم بدليل أن غالبيتهم الذين سمعوا القرآن قد اهتدوا وآمنوا ونالوا رضاء الله ورحمته .
ولقد أورد ابن كثير في سياق هاتين الآيتين حديثا رواه الطبراني عن ابن عباس قال: ( كان يلبي أهل الشرك: لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك ،وتملكه وما ملك ) فأنزل الله الآية .وليس في الرواية ما يدل على أن ذلك مناسبة لنزول الآية وإنما هي بمثابة توضيح تفسيري مستمد من عادات المشركين .