هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين به ، العابدين معه غيره ، الجاعلين له شركاء وهم مع ذلك معترفون أن شركاءه من الأصنام والأنداد عبيد له ، ملك له ، كما كانوا في تلبيتهم يقولون:لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك . فقال تعالى:( ضرب لكم مثلا من أنفسكم ) أي:تشهدونه وتفهمونه من أنفسكم ، ( هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء ) أي:لا يرتضي أحد منكم أن يكون عبده شريكا له في ماله ، فهو وهو فيه على السواء ( تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ) أي:تخافون أن يقاسموكم الأموال .
قال أبو مجلز:إن مملوكك لا تخاف أن يقاسمك مالك ، وليس له ذاك ، كذلك الله لا شريك له .
والمعنى:أن أحدكم يأنف من ذلك ، فكيف تجعلون لله الأنداد من خلقه . وهذا كقوله تعالى:( ويجعلون لله ما يكرهون ) [ النحل:62] أي:من البنات ، حيث جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ، وجعلوها بنات الله ، وقد كان أحدهم إذا بشر بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم ، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ، فهم يأنفون من البنات . وجعلوا الملائكة بنات الله ، فنسبوا إليه ما لا يرتضونه لأنفسهم ، فهذا أغلظ الكفر . وهكذا في هذا المقام جعلوا له شركاء من عبيده وخلقه ، وأحدهم يأبى غاية الإباء ويأنف غاية الأنفة من ذلك ، أن يكون عبده شريكه في ماله ، يساويه فيه . ولو شاء لقاسمه عليه ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
قال الطبراني:حدثنا محمود بن الفرج الأصبهاني ، حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي ، حدثنا حماد بن شعيب ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال:كان يلبي أهل الشرك:لبيك اللهم [ لبيك] ، لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك . فأنزل الله:( هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ) .
ولما كان التنبيه بهذا المثل على براءته تعالى ونزاهته بطريق الأولى والأحرى ، قال:( كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون ) .