{يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ ( 62 ) أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ ( 63 )} ( 62 – 63 ) .
عبارة الآيتين واضحة .وقد تضمنتا حكاية حلف المنافقين ليرضوا المؤمنين وردا عليهم بأنهم لو كانوا صادقين لكان الأوجب عليهم أن يرضوا الله ورسوله ،وإنذارا لمن يحادد الله ورسوله بالخزي العظيم والعذاب المخلد .
تعليق على الآية:
{يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ .........}
والآية التالية لها وما فيهما من صور وتلقين
روى المفسرون ( 1 ){[1109]} ،عن قتادة أن جماعة من المنافقين منهم الجلاس بن سويد ووديعة بن ثابت وقعوا في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا: إن كان ما يقول محمد حقا فنحن شر من الحمير .وكان عندهم غلام من الأنصار يقال له عامر بن قيس فغضب الغلام وقال: والله إن ما يقوله محمد حق وأنتم شر من الحمير ،ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره .فدعا لهم فسألهم فحلفوا له أن عامرا كاذب وحلف عامر أنهم هم الكاذبون .وصدقهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعل عامر يدعو ويقول: اللهم صدق الصادق وكذب الكاذب فأنزل الله الآيتين .وهناك رواية أخرى عن مقاتل يرويها المفسرون ( 2 ){[1110]} ،أيضا تذكر أن الآيتين نزلتا في رهط من المنافقين تخلفوا عن غزوة تبوك فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتوه يعتذرون ويحلفون فأنزلهما الله .
وفي السياق ما يفيد أن هذه السلسلة نزلت أثناء غزوة تبوك بحيث تكون الرواية الثانية غير محتملة الصحة .والرواية الأولى متسقة مع الآيتين ومحتملة الصحة .غير أن الذي يتبادر لنا على ضوء السياق أن الآيتين متصلتان بالصورة التي احتوتها الآية السابقة وبمشهد من المشاهد كان فيه بعض المؤمنين والمنافقين وجرى فيه أخذ ورد وعتاب ونقاش حول ما كان يقع من المنافقين من القدح والعيب في حق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مجالسهم الخاصة حاول المنافقون فيه التنصل والتبرؤ مما عوتبوا عليه إرضاء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والغاضبين لكرامته من المؤمنين المخلصين .
ومع ما قلناه فإننا نرجح أن الآيتين لم تنزلا لمناسبة جديدة وليستا منفصلتين عن السياق .والمشهد الذي احتوتاه كان قديما فذكر في سياق سلسلة التنديد والتقريع والتذكير بأخلاق المنافقين ومواقفهم .وعطف الآيتين على ما قبلهما وضمير الجمع الغائب من القرائن على ذلك .
وفي المشهد المحكي صورة أخرى لما صار إليه موقف المنافقين من تطور إلى الخوف والرياء والرغبة في كسب رضاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين المخلصين .وفيه صورة تتكرر في ظروف استعلاء أصحاب الحق والمجاهدين في سبيله .وفي هذا وذاك تلقين مستمر المدى بالتحذير من الانخداع بالمنافقين الذين لم يثبتوا إخلاصهم وصدق دعواهم في المواقف والظروف الهامة .