/م62
التّفسير
المنافقون والتظاهر بالحق:
إِن إِحدى علامات المنافقين وأعمالهم القبيحة والتي أشار إِليها القرآن مراراً هي إنكارهم الأعمال القبيحة والمخالفة للدين والعرف ،وهم إنّما ينكرونها من أجل التغطية على واقعهم السيئ وإِخفاء الصورة الحقيقية لهم ،ولما كان المجتمع يعرفهم ويعرف كذبهم في هذا الإنكار فقد كانوا يلجؤون إِلى الأيمان الكاذبة من أجل مخادعة الناس وإِرضائهم .
وفي الآيات السابقة الذكر نرى أنّ القرآن المجيد يكشف الستار عن هذا العمل القبيح ليفضح هؤلاء من جهة ،ويحذّر المسلمين من تصديق الايمان الكاذبة من جهة أُخرى .
في البداية يخاطب القرآن الكريم المسلمين وينبههم إِلى أنّ هدف هؤلاء من القَسَم هو إِرضاؤكم ( يحلفون بالله ليرضوكم ) ،ومن الواضح إِذن أن هدف هؤلاء من هذه الأيمان لم يكن بيان الحقيقة ،بل إِنّهم يسعون عن طريق المكر والخديعة إِلى أن يصوروا لكم الأشياء والواقع على غير صورته الحقيقة ،ويصلون عن هذا الطريق إلى مقاصدهم ،وإلاّ فلو كان هدفهم هو إرضاء المؤمنين الحقيقيين عنهم ،فإنّ إِرضاء الله ورسوله أهم من إِرضاء المؤمنين ،غير أنا نرى أنّهم بأعمالهم هذه قد أسخطوا الله ورسوله ،ولذا عقبت الآية فقالت: ( والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ) .
ممّا يلفت النظر أن الجملة المذكورة لما كانت تتحدث عن الله ورسوله ،فعلى القاعدة النحوية ينبغي أن يكون الضمير في «يرضوه » ضمير التثنية غير أن المستعمل هنا هو ضمير المفرد ،وهذا الاستعمال والتعبير يشير إِلى أن رضا النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) من رضا الله .بل أنّه لا يرتضي من الأعمال إلاّ ما يرتضيه الله سبحانه ،وبعبارة أُخرى: فإنّ هذا التعبير يشير إِلى حقيقة ( توحيد الأفعال ) ،لأنّ النّبي الأكرم( صلى الله عليه وآله وسلم )لا يملك استقلالية العمل في مقابل الله ،بل إن غضبه ورضاه وكل أعماله تنتهي إِلى الله ،فكل شيء من أجل الله وفي سبيله .
روي أنّ رجلا في زمن النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال ضمن كلامه: من أطاع الله ورسوله فقد فاز ،ومن عصاهما فقد غوى .فلما سمع النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) كلامه غضبحيث أن الرجل ذكر الله ورسوله بضمير التثنية فكأنّه جعل الله ورسوله في درجة واحدةوقال: «بئس الخطيب أنت ،هلا قلت: ومن عصى الله ورسوله »{[1646]} ؟!