عدل عن أسلوب الحكاية عنهم بكلمة ومنهم ،لأنّ ما حكي هنا حال من أحوال جميعهم .
فالجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً ،لإعلام الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بأنّ المنافقين يحلفون الأيمَان الكاذبة ،فلا تغرّهم أيمانهم ،فضمير يحلفون عائد إلى الذين يؤذون النبي .
والمراد: الحلف الكاذب ،بقرينة قوله:{ والله ورسوله أحق أن يرضوه} ،أي بتركهم الأمور التي حلفوا لأجلها ،على أنّه قد عُلِم أنّ أيمانهم كاذبة ممّا تقدّم في قوله:{ وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون}[ التوبة: 42] .
فكاف الخطاب للمسلمين ،وذلك يدلّ على أنّ المنافقين يحلفون على التبرّئي ،ممّا يبلغ المسلمين من أقوالهم المؤذية للرسول عليه الصلاة والسلام ،وذلك يغيظ المسلمين وينكرهم عليهم ،والنبي صلى الله عليه وسلم يغضي عن ذلك ،فلذلك قال الله تعالى:{ والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} أي أحقّ منكم بأن يرضوهما ،وسيأتي تعليل أحقّيّة الله ورسوله بأن يرضوهما في الآية التي بعدها فإرضاء الله بالإيمان به وبرسوله وتعظيمِ رسوله ،وإرضاءُ الرسول بتصديقه ومحبّته وإكرامه .
وإنّما أفرد الضمير في قوله:{ أن يرضوه} مع أنّ المعاد اثنان لأنّه أريد عود الضمير إلى أول الاسمين ،واعتبار العطف من عطف الجمل بتقدير: واللَّهُ أحقّ أن يرضوه ورسولُه كذلك ،فيكون الكلام جملتين ثانيتهما كالاحتراس وحذفُ الخبر إيجاز .ومن نكتة ذلك الإشارة إلى التفرقة بين الإرضاءين ،ومنه قول ضابىء بن الحارث:
ومَن يك أمسَى بالمدينة رَحْلُه *** فإنِّي وقيَّارٌ بهَا لَغَرِيب
التقدير: فإنّي لغريبٌ وقيارٌ بها غَريب أيضاً .لأنّ إحدى الغربتين مخالفة لأخراهما .
والضمير المنصوب في{ يرضوه} عائد إلى اسم الجلالة ،لأنّه الأهمّ في الخبر ،ولذلك ابتدىء به ،ألا ترى أنّ بيت ضابىء قد جاء في خبره المذكور لام الابتداء الذي هو من علائق ( إنّ ) الكائنة في الجملة الأولى ،دون الجملة الثانية ،وهذا الاستعمال هو الغالب .
وشرط{ إن كانوا مؤمنين} ،مستعمل للحثّ والتوقّع لإيمانهم ،لأنّ ما حكي عنهم من الأحوال لا يبقى معه احتمال في إيمانهم ،فاستعمل الشرط للتّوقع وللحثّ على الإيمان .وفيه أيضاً تسجيل عليهم ،إن أعادوا مثل صنيعهم ،بأنّهم كافرون باللَّه ورسوله ،وفيه تعليم للمؤمنين وتحذير من غضب الله ورسوله .