{ قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون 59} .
أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسألهم عن الرزق الذي أنزل إليهم إذ يجعلونه حراما وحلالا من غير أمر إلهي يحل لهم ويحرم . وقد بين الله تعالى في الآية السابقة كيف هداهم وأرشدهم ، وفي هذه الآية الكريمة كيف يتقون رحمة الله إذا انحرفت نفوسهم بالشرك .
{ أرأيتم} استفهام إنكاري والإنكار منصب على الرؤية وما بعدها من جعلهم بعضه حراما وبعضه حلالا ، والاستفهام الإنكاري هنا إنكار للواقع ، أي بمعنى التوبيخ فالله تعالى يوبخهم على أن جعلوا منه حراما وحلالا .
وكلمة{ أنزل} معناها خلق وأنشأ ، وعبر بالنزول باعتبار أن الرزق رحمة نازلة من الله تعالى ، أنزل سبحانه من السماء مطرا أنبت به من ثمرات كل شيء مما يأكل الناس والأنعام وهو بمقتضى أصل الخلق والتكوين حلال بالإباحة الأصلية الثابتة ، يقول تعالى:{ هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا . . .29} ( البقرة ) إلا ما كان من الخبائث التي حرمها الله تعالى ، ويقول سبحانه:{ وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا . . .136}( الأنعام ) .
أي للأحجار التي جعلوها بزعمهم شركاء لله .
وحرموا السائبة والوصيلة والحام وغير ذلك كفرا بالنعمة وشركا بالله وعبثا برحمته .
{ فجعلتم منه حراما وحلالا} أي صيرتم منه حراما على أنفسكم ، ولم يكن كذلك بل كان حلالا بمقتضى أن الله لم يحرمه . ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسألهم{ قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون} ، وهنا الاستفهام داخل على لفظ الجلالة وموضوعه الإذن وهو فاعل لفعل محذوف دل عليه "أذن"بعد ذلك ، كالشرط إذا دخل على الاسم كما في قوله:{ إذا السماء انشقت1}( الانشقاق ) .
الاستفهام إنكاري لإنكار الوقوع لهذا التحريم ،و{ أم} التالية لإضراب عن الاستفهام السابق ؛ لأن المستفهم عنه منفي وقوعه ، فهو انتقال من الاستفهام الإنكاري النافي إلى استفهام توبيخي ناف للواقع ، فقد حكم سبحانه مع التعجب التوبيخي بنفي أن يكون ذلك بإذن الله ، والاستفهام ممحص للتوبيخ على ما وقع منهم ، وهو الافتراء على الله تعالى:{ أم على الله تفترون} .
وقدم قوله تعالى:{ على الله} للتخصيص ، أي أنتم بهذا تفترون على الله لا على غيره ، وأي فساد في التفكير أن يكون افتراؤهم على الله خالقهم وخالق الوجود كله ، وأنهم يعترفون بالخالق وأنه لا شريك له في خلقه ولكن يعبدون الأحجار لتكون شافعة عنده ، فكانوا سخفاء في شركهم وفي تبريره . تعالى الله عما يشركون .
بعد أن أكد سبحانه أنهم يفترون سألهم عما يتوقعه الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة .