{ وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون117} .
الظلم ذكر بعض العلماء أنه الشرك لقوله تعالى حاكيا عن لقمان:{. . . .إن الشرك لظلم عظيم13} ( لقمان ) . وإنه ظلم بلا ريب فيه ، ويكون المعنى على هذا:وما كان الله يهلك القرى بشركها ، وأهلها مصلحون فيما بينهم يتعاونون ، ويقيم الحق في معاملاتهم حتى لقد قال بعضهم إن الشرك مع إقامة العدل لا يهلك ، والإيمان مع ظلم التعامل يهلك الأمم .
وقال بعض المفسرين:إن المراد والظاهر أنه مراد ، أنه ما كان ربك ليهلك القرى ظالما لها ، وأهلها مصلحون يعدلون فيها بينهم ، ولا يشركون بالله ولا يكون منهم ظلم بل نصفة وعدل ، فما كان الله ظالما لعباده .
وعندي قوله تعالى:{ وما كان ربك ليهلك القرى} بظلمها ، وأهلها متعاونون ، صالحون للبقاء ، والظلم أعم من الشرك ، والاعتداء في المعاملات ، والفساد ، والتخريب ، وقطع أمر الله تعالى به أن يوصل .
و{ ما} هنا نافية ، و( اللام ) لتأكيد النفي ، ولذا تسمى عند النحويين لام الجحود ، والمعنى ما صح وما استقام لربك الذي خلقك وقام على تدبير أمرك أن يهلك القرى بظلم يقع فيها ، وأهلها مصلحون ، متعاونون في الإصلاح كما أشرنا ، وفاضلهم ينصح أرذلهم ، والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر قائمون بواجبهم ، قد ابتغوا الغاية السامية ، وهي نشر الفضيلة ، ومحاربة الرذيلة ، قائمين بالقسط شهداء الله .
ولقد روى الترمذي حديثا في هذا المعنى:"إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه"{[1326]} .
وإنه قد حق على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها الهلاك الذي نزل بها ، لأن الظالم يظلم ، ويجد الكثرة الكاثرة تؤيده ، وتنصره على المظلومين ، وتصفه بالحكمة والعدل والعبقرية ، حتى اختلطت على الناس الألفاظ والحقائق ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وإن إرادة الله تعالى تعلقت بتنازع الخير مع الشر ، من وقت أن هبط آدم وإبليس إلى هذه الأرض وقال:{. . . .اهبطوا بعضكم لبعض عدو . . . .36} ( البقرة ) بتنازع الخير والشر ، في نفس كل إنسان ، كما قال تعالى:{ وهديناه النجدين10}( البلد )حتى إن كف النفس عن الشر يعد جهادا ، يثاب عليه ، ويتنازع الآحاد بعضهم مع بعض ، وتتنازع الجماعات وتتحارب الدول ، وتلك إرادة الله ، ولو شاء لخلقهم على منزع واحد ، ولا تكون الحياة معتركا للخير والشر يتنازعان .
ولذا قال تعالى: