وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين 6 وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين 7 ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحسبه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون8}
{ وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين 6} .
{ ما} نافية ، وكلمة{ من} للدلالة على عموم الآحاد في كل الدواب ، أي يعلم كل دابة علما دقيقا في مفردتها وجماعتها ، أي أن كل دابة على الله رزقها ، وكانت التعدية للدلالة على أن ذلك متحقق ثابت بمقتضى وعد الله تعالى الذي لا يخلفه ، فعبر ب{ على}وهذا لأن الله لا يجب عليه شيءإلا ما كتبه سبحانه على نفسه ، كما قال تعالى:{. . . .كتب ربكم على نفسه الرحمة . . .54}( الأنعام ) .
وليس هناك إلزام ، ولكن هناك وعدا والتزاما ، والدواب ما يدب على الأرض من أصعر الكائنات إلى الإنسان ، وعلى الله رزق كل هؤلاء ، والإنسان بكل ما يتخذه من أسباب ليس هو المنشيء للرزق فقد يتخذ كل الأسباب ولا يكون إلا الحرمان ، فكل شيء من فضل الله ، وعلى الإنسان أن يسعى ولابد من الأخذ بالأسباب بعد التوكل وتفويض الأمر لله ، وليس لأحد أن يسحب أن أسبابه وحدها تموله وتمونه ، بل لا بد من التوكل على الله والتفويض إليه .
والرزق بالنسبة للدواب والأحياء ، هو ما يتمول به ويتغذى ، فينمي جسده ونفسه ويكون بقاؤه ، وذلك عام في الدواب جميعها ، وبمقتضى إرادته الحكيمة يكون بعض الدواب رزقا للآخر ، وكل ذلك بتقدير الله تعالى وبفضله الذي أنشأ ودبر وحكم .
وأكد سبحانه أن كل دابة في ظل فضله وسلطانه يدبر أمرها ويحكم بتدبيره فقال:{ ويعلم مستقرها ومستودعها} المستقر هو الإقامة في الأرض ، ويصح أن نعدها مصدرا ميميا ، فيكون المعنى ويعلم استقرارها ، كما يصح أن نعدها اسم مكان أو زمان ، أي يعلم مقامها في الأرض وزمان إقامتها .
ومستودعها هو مكان إيداعها في قبورها إن كانت في الأحياء التي تدفن ، وإن الذي يعلم مكان استقرارها ومكان إيداعها هو يعلم مقدار حاجتها في الرزق فلا يمكن أن يفوت الرزق أحدا .
ثم يؤكد سبحانه كل هذا بقوله:{ كل في كتاب مبين} أي أن كل دابة ورزقها ومقامها واستيداعها في باطن الأرض وديعة مستردة بعد حين ، كل ذلك مكتوب في كتاب واضح هو اللوح المحفوظ والعلم المكنون .
وإن من ألفاظ القرآن أنه{. . . .لقوم يوقنون 118} وإن وعده سبحانه الحق لا يقبل إخلافا ولا تخلفا ، ولكن ناسا لا يؤمنون بالخالق ذي القوة المتين يحسبون أنهم يرزقون أنفسهم ، ويريدون أن يفعلوا فعل أهل الموءودة ويظنون أنهم إن قضوا على نسلهم ضمنوا رزقهم ، ولقد نسوا قول الله تعالى:{. . . .ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم . . .151}( الأنعام ) .
وقوله تعالى:{ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم . . .31} ( الإسراء ) .
ولقد قال بعض الذين يتخذون الأسباب:
وكيف أخشى الفقر والله رازقي ورازق هذا الخلق في العسر واليسر
تكفل بالأرزاق للخلق كلهموللضب في البيداء والحوت في البحر
ثم بين سبحانه كمال سلطانه في خلقه وتدبيره لأمورهم فيقول: