{دَآبَّةٍ}: من حيث اللغة: الحي الذي من شأنه أن يدب ،وقد صار في العرف مختصاً بنوع من الحيوان .
{مُسْتَقَرَّهَا}: مستقرّ الشيء: موضع قراره .
{وَمُسْتَوْدَعَهَا}: مستودع الشيء: هو الموضع الذي كان فيه قبل استقراره من صلب أو رحم أو بيضة .
الإمداد الإلهي الدائم
...وإذا كان الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ،ويراقب ما يفكر فيه الناس ،ليحاسبهم على أعمالهم من خلال علمه بخلفيات العمل من نوايا ،وليحمي رسله وعباده من مكر الماكرين وكيد الظالمين ،فإن الله يعلم كل شيء عن مخلوقاته ،ويدبّر أمورها وما تحتاجه من شؤون الرزق الذي يحفظ استمرار وجودها وقوّة حياتها ،وذلك بما قدره وقضاه في كتاب الكون ،حيث جعل لكل شيء مستقراً يعيش فيه ويتحرك ،ومستودعاً ينمو فيه ويتطور ،ويستعد لرحلة الحياة في الأصلاب أو الأرحام أو البيض أو غير ذلك ...
وفي ضوء ذلك ،كانت العلاقة بين الله وخلقه ،لا سيما ما يدب من مخلوقاته الحية في الأرض ،تتمثل في الإمداد الدائم لتلك المخلوقات بالنعم المتنوعة التي تكفل استمرار وجودها ،مما يجعلها تتحرك في طمأنينة دون قلق ولا ارتباك .وهي تعرف في الوقت نفسه أنها تقعأينما تكونتحت الإشراف الإلهي الذي يرعاها ،لأنه يعرف مستقرّها ومستودعها ،ويحيط بكل شؤونها وأمورها ...
الله مصدر الرزق لكل حي
{وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرضِ} سواءٌ كانت من الزواحف ،أو من ذوات القوائم التي تمشي على رجلين ،أو على أربع ،أو التي تطير في الهواء ،{إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} فهو الذي خلقها ،وتكفل برزقها بما أعدّه من أسباب الرزق ومفرداته وعناصره في الكون ،وفي ما سخّره من ظواهر وقوى تدفعها إلى السعي والكفاح للأخذ بتلك الأسباب والحصول على نتائجها ،الأمر الذي يبعدها عن الاتكالية التي تعكس الاسترخاء ،وتوجهها نحو التوكل الذي يعكس الثقة ويدفع إلى الحركة .{وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا} الذي يتحرك فيه وجودها ،{وَمُسْتَوْدَعَهَا} الذي يمثل الموضع الذي بدأت فيه عملية النمو في طريقها إلى الوجود ،و{كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ} في ما قدره الله للوجود من قوانين وأسباب وسنن طبيعيّة ،في نطاق النظام الكوني الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلماً وتدبيراً .