ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون94 قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم 65 فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون 96 قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين97 قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم 98 فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين 99 ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم 100 * رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين 101
كان صفح يوسف الجميل هو الخطوة الأولى لجمع الشمل ، وما أشبه ذلك بفصح محمد صلى الله عليه وسلم عن قريش الذين أخرجوه ، وقتلوا أحبته من المؤمنين ، من وقت مبعثه إلى فتح مكة ، فاستمر الأذى عشرين سنة أوتزيد ، ومع ذلك ما إن بعثهم ، حتى قال مقالة يوسف:{ لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين}{[1338]} وموقف محمد صلى الله تعالى عليه وسلم كان جليلا عظيما ، يتعاظم بعظم ما ارتكبوا في جنبه{ تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض . . . .253}( البقرة ) .
صفح عنهم يوسف ، والتفت إلى أبيه الشيخ الحزين الأسيف ، وكان أن أرسل القميص ، وعادت العير إلى البدو حاملة القميص ، وقد كان معطرا بعطر ملوك مصر ، وقد قالوا:إن عبيقه شمه نبي الله يعقوب من نحو ثمانين فرسخا ، وقد يقال إنه إلهام النبوة ، جعله يشم رائحة يوسف من مكان بعيد ، ويقول عليه السلام:{ لولا أن تفندون} ، أي إلا أن تنسبوني إلى الفند ، والفند نقصان عقل بسبب الشيخوخة ، وما هي شيخوخة ، ولكنها نبوة وشفقة أبوة . و{ لولا} حرف شرط وتعليق ، وجوابه محذوف ، أي لولا أن تفندوني لصدقتهم ، ولآمنتم بالحق وتقدير التفنيد لعقليتهم غير المدركة ، لا للأمر في ذاته .