وإن ذلك الاختلاف بين الحق والباطل هو إرادته سبحانه ليبلوكم أيكم أحسن عملا ؛ ولذا قال سبحانه:
{ ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون ( 93 )} .
والمعنى لو أراد ذلك سبحانه ولعلقت مشيئته بأن أمة واحدة آخذة بالحق مهدية لجعلكم كذلك ، ولكن خلقكم سبحانه ، ولكم إرادات مختارة تسلك الحق أو الضلال ، ويختبر أهل الباطل بأن يعطيهم قوة يهتدون بها ، أو يضلون ، ومعنى أمة واحدة مهدية أو أمة شقية ، وتكونون حينئذ على سواء في الهداية أو الشقاء ، ولكن كانت لكم هذه الإرادات التي بها تضلون إن سرتم في طريق الضلال ، وتهتدون إن سرتم في طريق الهداية .
ولكن إرادة الله تعالى اتجهت إلى ذلك الاختلاف لتكون الحياة ولتكون المعاقبة بين الخير والشر ، ويتنازع أهل الشر مع أهل الخير وليكون الخير بعمل أصحابه ،"والشر بعمل أصحابه ، ويكون الضلال وتكون الهداية ؛ ولذا قال:{ ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء} إضلال الله هو كتابة العبد في أهل الضلال وهداية الله كتابته في أهل الهدى ، وذلك لأن العبد له إرادة يشعر بها ، وأنه ليس بمجبر فيها ، وأنه يختار إما الضلالة ليشقى وإما الهداية فيسعد ، وما يعمله مكتوب في اللوح المحفوظ ، فهو في هذا اللوح ، إما شقي وإما سعيد ، وقد غيب عنه المكتوب ليفعل حرا مختارا ، هذا أمر شعوري بدهي ، لا يحتاج إلى فلسفة أهل الجبر ولا أهل الاختيار .
والاستدراك في قوله تعالى:{ ولكن يضل من يشاء . . .} إنما هو عن خلقهم أمة واحدة بل هو للتفرقة بين الضلال والهدي فيما يكتبه الله تعالى ، ويقدره ، ولقد قال سبحانه بعد ذلك{ ولتسألن عما كنتم تعملون} ، أي أن أعمالكم باختياركم وبقوتكم الذاتية وتسألون عنها:أهي خير فتثابوا أم هي شر فتعذبوا ، وكل أعمالكم مكتوبة عليكم وبكتابتها يضلكم أو يهديكم .