/م90
{ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون} .
شاء الله أن يجعل الإنسان خليفة في الأرض ،وميزه بالعقل والفكر والإرادة والاختيار ،قال تعالى:{إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} ( الإنسان: 3 ) .
ولو شاء الله لجعل الناس جميعا نسخا مكررة ،مثل جماعات النمل والنحل ،ولو شاء لجعل حياة الزوج مع زوجته أشبه بحياة الملائكة ،لكن الله أراد أن يتفاوت الناس في الكسب والاختيار والاستعداد ،وأن يكون الجزاء مرتبا على العمل .
قال تعالى:{ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين* إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}( هود:119 ، 118 ) .
{ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء} .
فهو سبحانه عرض على الناس الهدى والشرائع والرسالات ،وأرسل لهم الرسل وأنزل عليهم الكتب ،فمن اختار الضلال ،وأعرض عن هدايات السماء ؛تركه الله ضالا متحيرا ،ولا يضل إلا من اختار الضلالة على الهدى ،ومن رغب في الحق ،وسارع إلى الإيمان ،واختار طريق الهداية ؛يسر الله له طريق الهدى وشرح صدره للإسلام ،وهداه إلى الصراط المستقيم ،وبهذا نجمع بين الآيات القرآنية التي وردت في الموضوع ،فالعبد له إرادة واختيار ،والله تعالى له نواميس عامة ،لهذا الكون ،ومن هذه النواميس: أنه لا يهدي إلا من اختار الهدى ،ولا يضل إلا من اختار الضلالة ،فهدايات السماء غالية عالية ،والله لا يلزم الناس بالحق ،وإنما يعرضه عليهم ،وقد خلق فيهم العقل والإدراك ،والكسب والاختيار ،وبهذا يستحق كل إنسان جزاء كسبه وسعيه ،قال تعالى:{فأما من أعطى واتقى* وصدق بالحسنى* فسنيسره لليسرى* وأما من بخل واستغنى* وكذب بالحسنى*فسنيسره للعسرى}( الليل:510 ) .
وقال سبحانه:{فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}( الزلزلة:8 ، 7 ) .
{ولتسألن عما كنتم تعملون} . أي:إن الله تعالى سيسأل جميع الناس سؤال محاسبة ومجازاة لا سؤال استفهام ،وسيترتب على هذا السؤال أن يكون الجزاء الحق من جنس العمل ،وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:( يا أبا ذر ،أخلص العمل ؛فإن الناقد بصير ،وخفف ظهرك ؛ فإن العقبة كئود ،واستكثر الزاد ؛ فإن السفر بعيد ،والذي نفس محمد بيده ،لتموتن كما تنامون ،ولتبعثن كما تستيقظون ،ولتحاسبن على ما تعملون ،ولتجزون بالإحسان إحسانا ،وبالسوء سوءا ،وإنها لجنة أبدا أو لنار أبدا )59 .