ولقد أعلم سبحانه بهذا العلو عليهم ، فأمرهم بالسجود له ، فقال تعالى:
{ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس
أبى واستكبر وكان من الكافرين ( 34 )} .
كان إبليس عند أمر الله تعالى له مع الملائكة ، ولنا أن نقول إنه ليس مما خلقهم تعالى من مادتهم ، فإنه خلق من نار كما حكى الله تعالى عنه إذ قال:{ إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ( 50 )} [ الكهف] .
وإذا لم يكن منهم ، فإن الاستثناء يكون منقطعا ، ولكن الخطاب موجه إليه لصحبته لهم . والسجود الذي أمر الله تعالى به ما هو ؟ قال بعضهم:إنه الخضوع وهو يستعمل في كلام العرب بمعنى التذلل والخضوع ، وليس السجود الذي يعد من أركان الصلاة ، ومن المعنى اللغوي قوله في سورة يوسف:{ ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا . . . ( 100 )} [ يوسف] أي دخلوا في حكمه .
ولقد قال تعالى في الخلق في سورة أخرى:{ فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ( 29 )} [ الحجر] فهل يدل هذا على أنه كسجود الصلاة ؟ الجواب عن ذلك أنه يدل على كمال الخضوع له سبحانه وتعالى ، بما يدل على الخضوع الكامل بالانحناء له ، وإذا كان يوهم أنه كسجود الصلاة ، فليس عبادة لآدم ولكنه إطاعة الله تعالى:وإن كان آدم كالقبلة ، فالعبادة تكون للآمر وهو الله تعالى لا لمن اتخذه كالقبلة وكان كأنما السجود له .
ومهما تكن حال السجود ، والعلم الجازم بها عند الله تعالى ، فإن الأمر به دليل على تكريم الله تعالى لآدم أبي البشر ، وأن له اختصاصا بالتكريم على الملائكة الأطهار الأبرار ، كما أمر الله تبارك وتعالى الذي خلق الفريقين ، وميز بين العالمين . وإبليس الذي كان من الجن خرج عن طاعة الله ففسق عن أمر الله مستكبرا بغير مسوغ للكبر ؛ لأنه زعم أن أصل خلقه خير من أصل خلق آدم ، فهو خلق من نار ، وآدم خلق من طين ، والله تعالى خالق المادتين ، فهو يفاخر ويعاند بأمر خلقه الله تعالى الذي أمره بالسجود ، فكان في أشد أحوال الغفلة ، وصح أن يقال فيه أنه أشد من خلق الله تغفيلا ، وكذلك كان أتباعه من بعده ، فهم في غفلة عن الحق دائما .
ولقد وصفه الله تعالى بأنه كفر ، وهو قد طغى في كفره ، وتعدى إلى معاندة الله تعالى في أمره ونهيه ، حتى لقد حكى الله تعالى أنه اعتزم الشر ، وأراد فتنة بني آدم ، بل آدم نفسه ، فقال عنه الله تعالى:{ قال أرأيت هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا ( 62 )} [ الإسراء] وقال:{ قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين ( 82 ) إلا عبادك منهم المخلصين ( 83 )} [ ص] .