وهذه كرامة عظيمة من الله تعالى لآدم امتن بها على ذريته ، حيث أخبر أنه تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم . وقد دل على ذلك أحاديث - أيضا - كثيرة منها حديث الشفاعة المتقدم ، وحديث موسى ، عليه السلام:رب ، أرني آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة ، فلما اجتمع به قال:أنت آدم الذي خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته . قال . . . وذكر الحديث كما سيأتي .
وقال ابن جرير:حدثنا أبو كريب ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال:كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم:الجن ، خلقوا من نار السموم ، من بين الملائكة ، وكان اسمه الحارث ، وكان خازنا من خزان الجنة ، قال:وخلقت الملائكة كلهم من نور غير هذا الحي ، قال:وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار ، [ وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا لهبت قال:وخلق الإنسان من طين] . فأول من سكن الأرض الجن فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء ، وقتل بعضهم بعضا . قال:فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة - وهم هذا الحي الذي يقال لهم:الجن - فقتلهم إبليس ومن معه ، حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال ، فلما فعل إبليس ذلك اغتر في نفسه ، فقال:قد صنعت شيئا لم يصنعه أحد . قال:فاطلع الله على ذلك من قلبه ، ولم يطلع عليه الملائكة الذين كانوا معه ، فقال الله تعالى للملائكة الذين معه:( إني جاعل في الأرض خليفة ) فقالت الملائكة مجيبين له:( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) كما أفسدت الجن وسفكت الدماء ، وإنما بعثتنا عليهم لذلك ؟ فقال:( إني أعلم ما لا تعلمون ) يقول:إني قد اطلعت من قلب إبليس على ما لم تطلعوا عليه من كبره واغتراره ، قال:ثم أمر بتربة آدم فرفعت ، فخلق الله آدم من طين لازب - واللازب:اللزج الصلب من حمإ مسنون منتن ، وإنما كان حمأ مسنونا بعد التراب . فخلق منه آدم بيده ، قال:فمكث أربعين ليلة جسدا ملقى . فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله ، فيصلصل ، أي فيصوت . قال:فهو قول الله تعالى:( من صلصال كالفخار ) [ الرحمن:14] ) يقول:كالشيء المنفرج الذي ليس بمصمت . قال:ثم يدخل في فيه ويخرج من دبره ، ويدخل من دبره ، ويخرج من فيه . ثم يقول:لست شيئا - للصلصلة - ولشيء ما خلقت ، ولئن سلطت عليك لأهلكنك ، ولئن سلطت علي لأعصينك . قال:فلما نفخ الله فيه من روحه ، أتت النفخة من قبل رأسه ، فجعل لا يجري شيء منها في جسده إلا صار لحما ودما ، فلما انتهت النفخة إلى سرته نظر إلى جسده فأعجبه ما رأى من جسده ، فذهب لينهض فلم يقدر ، فهو قول الله تعالى:( وكان الإنسان عجولا ) قال:ضجر لا صبر له على سراء ولا ضراء . قال:فلما تمت النفخة في جسده عطس ، فقال:الحمد لله رب العالمين - بإلهام الله - فقال [ الله] له:يرحمك الله يا آدم . قال ثم قال [ الله] تعالى للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السماوات:اسجدوا لآدم . فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس أبى واستكبر ، لما كان حدث نفسه من الكبر والاغترار . فقال:لا أسجد له ، وأنا خير منه وأكبر سنا وأقوى خلقا ، خلقتني من نار وخلقته من طين . يقول:إن النار أقوى من الطين . قال:فلما أبى إبليس أن يسجد أبلسه الله ، أي:آيسه من الخير كله ، وجعله شيطانا رجيما عقوبة لمعصيته ، ثم علم آدم الأسماء كلها ، وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس:إنسان ودابة وأرض وسهل وبحر وجبل وحمار ، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها . ثم عرض هذه الأسماء على أولئك الملائكة ، يعني الملائكة الذين كانوا مع إبليس ، الذين خلقوا من نار السموم ، وقال لهم:( أنبئوني بأسماء هؤلاء ) يقول:أخبروني بأسماء هؤلاء ( إن كنتم صادقين ) إن كنتم تعلمون لم أجعل في الأرض خليفة . قال:فلما علمت الملائكة موجدة الله عليهم فيما تكلموا به من علم الغيب ، الذي لا يعلمه غيره ، الذي ليس لهم به علم قالوا:سبحانك ، تنزيها لله من أن يكون أحد يعلم الغيب غيره ، وتبنا إليك ( لا علم لنا إلا ما علمتنا ) تبريا منهم من علم الغيب ، إلا ما علمتنا كما علمت آدم ، فقال:( يا آدم أنبئهم بأسمائهم ) يقول:أخبرهم بأسمائهم ( فلما أنبأهم ) [ يقول:أخبرهم] ( بأسمائهم قال ألم أقل لكم ) أيها الملائكة خاصة ( إني أعلم غيب السماوات والأرض ) ولا يعلم غيري ( وأعلم ما تبدون ) يقول:ما تظهرون ( وما كنتم تكتمون ) يقول:أعلم السر كما أعلم العلانية ، يعني:ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والاغترار .
هذا سياق غريب ، وفيه أشياء فيها نظر ، يطول مناقشتها ، وهذا الإسناد إلى ابن عباس يروى به تفسير مشهور .
وقال السدي في تفسيره ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:لما فرغ الله من خلق ما أحب استوى على العرش ، فجعل إبليس على ملك السماء الدنيا ، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم:الجن ، وإنما سموا الجن لأنهم خزان الجنة ، وكان إبليس مع ملكه خازنا ، فوقع في صدره كبر وقال:ما أعطاني الله هذا إلا لمزية لي على الملائكة . فلما وقع ذلك الكبر في نفسه اطلع الله على ذلك منه . فقال الله للملائكة:( إني جاعل في الأرض خليفة ) قالوا:ربنا ، وما يكون ذلك الخليفة ؟ قال:يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا . قالوا:ربنا ، ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون ) يعني:من شأن إبليس . فبعث الله جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها ، فقالت الأرض:إني أعوذ بالله منك أن تقبض مني أو تشينني فرجع ولم يأخذ ، وقال:رب مني عاذت بك فأعذتها ، فبعث ميكائيل ، فعاذت منه فأعاذها ، فرجع فقال كما قال جبريل ، فبعث ملك الموت فعاذت منه . فقال:وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره ، فأخذ من وجه الأرض ، وخلط ولم يأخذ من مكان واحد ، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء ، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين ، فصعد به فبل التراب حتى عاد طينا لازبا - واللازب:هو الذي يلتزق بعضه ببعض - ثم قال للملائكة:( إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) [ ص:71 ، 72] فخلقه الله بيده لئلا يتكبر إبليس عنه ، ليقول له:تتكبر عما عملت بيدي ، ولم أتكبر أنا عنه . فخلقه بشرا ، فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة ، فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه ، وكان أشدهم فزعا منه إبليس ، فكان يمر به فيضربه فيصوت الجسد كما يصوت الفخار وتكون له صلصلة . فذلك حين يقول:( من صلصال كالفخار ) [ الرحمن:14] ويقول:لأمر ما خلقت . ودخل من فيه فخرج من دبره ، وقال للملائكة:لا ترهبوا من هذا ، فإن ربكم صمد وهذا أجوف . لئن سلطت عليه لأهلكنه ، فلما بلغ الحين الذي يريد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح ، قال للملائكة:إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له ، فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه ، عطس ، فقالت الملائكة:قل:الحمد لله . فقال:الحمد لله ، فقال له الله:رحمك ربك ، فلما دخلت الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة . فلما دخل الروح في جوفه اشتهى الطعام ، فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة ، فذلك حين يقول تعالى:( خلق الإنسان من عجل ) [ الأنبياء:37] ( فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين ) [ الحجر:30 ، 31] أبى واستكبر وكان من الكافرين . قال الله له:ما منعك أن تسجد إذ أمرتك لما خلقت بيدي ؟ قال:أنا خير منه ، لم أكن لأسجد لمن خلقته من طين . قال الله له:اخرج منها فما يكون لك ، يعني:ما ينبغي لك ( أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين )
[ الأعراف:13] والصغار:هو الذل . قال:( وعلم آدم الأسماء كلها ) ثم عرض الخلق على الملائكة ( فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ) أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء ، فقالوا ( سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ) قال الله:( يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ) قال:قولهم:( أتجعل فيها من يفسد فيها ) فهذا الذي أبدوا ، وأعلم ما تكتمون يعني:ما أسر إبليس في نفسه من الكبر .
فهذا الإسناد إلى هؤلاء الصحابة مشهور في تفسير السدي ويقع فيه إسرائيليات كثيرة ، فلعل بعضها مدرج ليس من كلام الصحابة ، أو أنهم أخذوه من بعض الكتب المتقدمة . والله أعلم . والحاكم يروي في مستدركه بهذا الإسناد بعينه أشياء ، ويقول:[ هو] على شرط البخاري .
والغرض أن الله تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم دخل إبليس في خطابهم ؛ لأنه - وإن لم يكن من عنصرهم - إلا أنه كان قد تشبه بهم وتوسم بأفعالهم ؛ فلهذا دخل في الخطاب لهم ، وذم في مخالفة الأمر . وسنبسط المسألة إن - شاء الله تعالى - عند قوله:( إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ) [ الكهف:50] .
ولهذا قال:محمد بن إسحاق ، عن خلاد ، عن عطاء ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال:كان إبليس قبل أن يركب المعصية من الملائكة اسمه عزازيل ، وكان من سكان الأرض ، وكان من أشد الملائكة اجتهادا ، وأكثرهم علما ؛ فذلك دعاه إلى الكبر ، وكان من حي يسمون جنا .
وفي رواية عن خلاد ، عن عطاء ، عن طاوس - أو مجاهد - عن ابن عباس ، أو غيره ، بنحوه .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا عباد - يعني:ابن العوام - عن سفيان بن حسين ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال:كان إبليس اسمه عزازيل ، وكان من أشراف الملائكة من ذوي الأجنحة الأربعة ، ثم أبلس بعد .
وقال سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج ، قال:قال ابن عباس:كان إبليس من أشراف الملائكة وأكرمهم قبيلة ، وكان خازنا على الجنان ، وكان له سلطان سماء الدنيا ، وكان له سلطان الأرض .
وهكذا روى الضحاك وغيره عن ابن عباس ، سواء .
وقال صالح مولى التوءمة ، عن ابن عباس:إن من الملائكة قبيلا يقال لهم:الجن ، وكان إبليس منهم ، وكان يسوس ما بين السماء والأرض ، فعصى ، فمسخه الله شيطانا رجيما . رواه ابن جرير .
وقال قتادة عن سعيد بن المسيب:كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا .
وقال ابن جرير:حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عدي بن أبي عدي ، عن عوف ، عن الحسن ، قال:ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط ، وإنه لأصل الجن ، كما أن آدم أصل الإنس . وهذا إسناد صحيح عن الحسن . وهكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم سواء .
وقال شهر بن حوشب:كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة ، فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء ، رواه ابن جرير .
وقال سنيد بن داود:حدثنا هشيم ، أنبأنا عبد الرحمن بن يحيى ، عن موسى بن نمير وعثمان بن سعيد بن كامل ، عن سعد بن مسعود ، قال:كانت الملائكة تقاتل الجن ، فسبي إبليس وكان صغيرا ، فكان مع الملائكة ، فتعبد معها ، فلما أمروا بالسجود لآدم سجدوا ، فأبى إبليس . فلذلك قال تعالى:( إلا إبليس كان من الجن ) [ الكهف:50] .
وقال ابن جرير:حدثنا محمد بن سنان القزاز ، حدثنا أبو عاصم ، عن شريك ، عن رجل ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال:إن الله خلق خلقا ، فقال:اسجدوا لآدم . فقالوا:لا نفعل . فبعث الله عليهم نارا فأحرقتهم ، ثم خلق خلقا آخر ، فقال:إني خالق بشرا من طين ، اسجدوا لآدم . قال:فأبوا . فبعث الله عليهم نارا فأحرقتهم . ثم خلق هؤلاء ، فقال:اسجدوا لآدم ، قالوا:نعم . وكان إبليس من أولئك الذين أبوا أن يسجدوا لآدم . وهذا غريب ، ولا يكاد يصح إسناده ، فإن فيه رجلا مبهما ، ومثله لا يحتج به ، والله أعلم .
وقال قتادة في قوله:( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) فكانت الطاعة لله ، والسجدة أكرم الله آدم بها أن أسجد له ملائكته .
وقال في قوله تعالى:( فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ) حسد عدو الله إبليس آدم ، عليه السلام ، على ما أعطاه الله من الكرامة ، وقال:أنا ناري وهذا طيني ، وكان بدء الذنوب الكبر ، استكبر عدو الله أن يسجد لآدم عليه السلام .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا صالح بن حيان ، حدثنا عبد الله بن بريدة:قوله تعالى:( وكان من الكافرين ) من الذين أبوا ، فأحرقتهم النار .
وقال أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية:( وكان من الكافرين ) يعني:من العاصين .
وقال السدي:( وكان من الكافرين ) الذين لم يخلقهم الله يومئذ يكونون بعد .
وقال محمد بن كعب القرظي:ابتدأ الله خلق إبليس على الكفر والضلالة ، وعمل بعمل الملائكة ، فصيره إلى ما أبدى عليه خلقه من الكفر ، قال الله تعالى:( وكان من الكافرين )
وقال بعض الناس:كان هذا سجود تحية وسلام وإكرام ، كما قال تعالى:( ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا ) [ يوسف:100] وقد كان هذا مشروعا في الأمم الماضية ولكنه نسخ في ملتنا ، قال معاذ:قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لأساقفتهم وعلمائهم ، فأنت يا رسول الله أحق أن يسجد لك ، فقال:لا ، لو كنت آمرا بشرا أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها ورجحه الرازي ، وقال بعضهم:بل كانت السجدة لله وآدم قبلة فيها كما قال:( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) [ الإسراء:78] وفي هذا التنظير نظر ، والأظهر أن القول الأول أولى ، والسجدة لآدم إكراما وإعظاما واحتراما وسلاما ، وهي طاعة لله عز وجل ؛ لأنها امتثال لأمره تعالى ، وقد قواه الرازي في تفسيره وضعف ما عداه من القولين الآخرين وهما كونه جعل قبلة إذ لا يظهر فيه شرف ، والآخر:أن المراد بالسجود الخضوع لا الانحناء ووضع الجبهة على الأرض وهو ضعيف كما قال .
قلت:وقد ثبت في الصحيح:لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر وقد كان في قلب إبليس من الكبر - والكفر - والعناد ما اقتضى طرده وإبعاده عن جناب الرحمة وحضرة القدس ؛ قال بعض المعربين:وكان من الكافرين أي:وصار من الكافرين بسبب امتناعه ، كما قال:( فكان من المغرقين ) [ هود:43] وقال ( فتكونا من الظالمين ) [ البقرة:35] وقال الشاعر:
بتيهاء قفر والمطي كأنها قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها
أي:قد صارت ، وقال ابن فورك:تقديره:وقد كان في علم الله من الكافرين ، ورجحه القرطبي ، وذكر هاهنا مسألة فقال:قال علماؤنا من أظهر الله على يديه ممن ليس بنبي كرامات وخوارق للعادات فليس ذلك دالا على ولايته ، خلافا لبعض الصوفية والرافضة هذا لفظه . ثم استدل على ما قال:بأنا لا نقطع بهذا الذي جرى الخارق على يديه أنه يوافي الله بالإيمان ، وهو لا يقطع لنفسه بذلك ، يعني والولي الذي يقطع له بذلك في نفس الأمر .
قلت:وقد استدل بعضهم على أن الخارق قد يكون على يدي غير الولي ، بل قد يكون على يد الفاجر والكافر ، أيضا ، بما ثبت عن ابن صياد أنه قال:هو الدخ حين خبأ له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:( فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ) [ الدخان:10] ، وبما كان يصدر عنه أنه كان يملأ الطريق إذا غضب حتى ضربه عبد الله بن عمر ، وبما ثبتت به الأحاديث عن الدجال بما يكون على يديه من الخوارق الكثيرة من أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر ، والأرض أن تنبت فتنبت ، وتتبعه كنوز الأرض مثل اليعاسيب ، وأنه يقتل ذلك الشاب ثم يحييه إلى غير ذلك من الأمور المهولة . وقد قال يونس بن عبد الأعلى الصدفي:قلت للشافعي:كان الليث بن سعد يقول:إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة ، فقال الشافعي:قصر الليث ، رحمه الله ، بل إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة ، وقد حكى فخر الدين وغيره قولين للعلماء:هل المأمور بالسجود لآدم خاص بملائكة الأرض ، أو عام بملائكة السماوات والأر ، وقد رجح كلا من القولين طائفة ، وظاهر الآية الكريمة العموم:( فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس ) [ الحجر:30 ، 31 ، ص:73 ، 74] ، فهذه أربعة أوجه مقوية للعموم ، والله أعلم .