سجود الملائكة
{وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين( 34 )}
في هذه الآية تذكير بنعمة الله على نبينا آدمعليه السلاموالآية ناطقة بالتعظيم لقدره ،والتنويه لشأنه حيث أمر الله الملائكة بالسجود له ،والآية معطوفة على ما قبلها عطف القصة على القصة ،فقد عطفت فيها قصة السجود على قصة الخلق لنستكمل بها نعمهتعالىالتي تفضل بها على خلقه .
إنه التكريم في أعلى صوره لهذا المخلوق الذي يفسد في الأرض ويسفك الدماء ،ولكنه وهب من الأسرار ما يرفعه على الملائكة ،لقد وهب المعرفة ،كما وهب سر الإرادة المستقلة التي تختار الطريق ..إن ازدواج طبيعته وقدرته على تحكيم إرادته في شق طريقه ،واضطلاعه بأمانة الهداية إلى الله بمحاولته الخاصة ،إن هذا كله بعض أسرار تكريمه .
ولقد سجد الملائكة امتثالا للأمر العلوي الجليل .{إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} .،وهنا ننبدي خليقة الشر مجسمة ،عصيان الجليل سبحانه والاستكبار عن معرفة الفضل لأهله ،والعزة بالإثم ،للاستغلاق عن الفهم .
إبليس:
تعرض القرآن لذكر إبليس في أكثر من موضع كما ذكر القرآن الجن والشيطان والملائكة ،ولكن حديث القرآن عن الإنسان كان كثيرا ومستفيضا .وقد أفاد القرآن عن الملائكة بأنها قوة من قوى الخير في هذا العالم وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .وتحدث القرآن عن الجن ،وتوجد سورة الجن ،وفي أكثر من موضع يذكر إبليس الشيطان والجن على أنها قوى خفية تتحرك في المجال الإنساني وتراه دون أن يراه ،وإبليس والشيطان يذكران دائما في معرض التحذير والتخويف من إغرائهما إذ كان من شأنهما العداوة للإنسان والنقمة عليه .
ويذكر إبليس وحده في مقام دعوة الملائكة للسجود لآدم وامتناعه هو عن السجود استكبارا لذاته وعلوا على آدم الذي خلق من طين ،على حين أنه خلق من نار ،ويذهب بعض المفسرين إلى أن إبليس كان من الملائكة( 79 ) .ثم إنه كان في درجة دنيا في هذا العالم الروحي هي درجة الجن ،وهم وإن أشبهوا عالم الملائكة في أنهم خلقوا من شعلة مقدسة إلا أن الملائكة كانوا من نور هذه الشعلة على حين كان الجن من نارها ،كما يقولتعالى:{والجان خلقناه من قبل من نار السموم} . ( الحجر 27 ) .ولهذا كان الملائكة صفاء خالصا ،بينما كان الجن صفاء مشوبا بكدر ،وكان من الجن الأخيار والأشرار ،ولم يظل إبليس في جماعة الجن بل أخرجه الله من بينهم ولعنه حين أبى أن يسجد لآدم ،فإبليس كان من عالم الجن ،ثم نزل إلى إبليس ،ثم تحول من إبليس إلى شيطان رجيم .
وإذا نظرنا إلى سياق الآية أدركنا أن إبليس لم يكن من جنس الملائكة ،( إنما كان معهم فلو كان منهم ما عصى ،وصفتهم الأولى أنهم لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون ،وإبليس من الجن لقوله تعالى في آية أخرى ..{كان من الجن} . ( الكهف 50 ) .
«وإنما جاز استثناؤه من الملائكة لأنه لما كان بينهم عابدا بعبادتهم ؛جعل منهم فإن من طالت إقامته مع قوم واندمج فيهم ،اعتبر منهم وإن لم يكن من قبيلتهم » .
وقد خلق الله من مارج من نار ،وهذا يقطع بأنه ليس من الملائكة ،والآن لقد انكشف ميدان المعركة الخالدة ،المعركة بين خليفة الشر في إبليس وخليفة الله في الأرض ،المعركة الخالدة في ضمير الإنسان ( المعركة التي ينتصر فيها الخير بمقدار ما يستعصم الإنسان بإرادته وعهده مع ربه ،وينتصر فيها الشر بمقدار ما يستسلم الإنسان لشهواته ويبعد عن ربه )( 80 ) .