{ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ( 70 )} .
{ أم} تدل على الإضراب والاستفهام معا ، وهو إضراب انتقالي يضرب بها عن الكلام قبله ، وينتقل إلى استفهام جديد ، ولا شك أنهم يعرفون أمانته وصدقه ، واستقامة نفسه وخلقه وعقله ، وطبعه ، ولا يتحول ذلك إلا اضطرب كيانه العقلي والنفسي ، وأصيب بجنون ، والمعنى أيقولون به جنة ؟ أي أتحول عن طبيعته ، وأصابه جنون ، وهو يقول القول الحكيم ، ويتصرف التصرف الحكيم ، فلم يكن به جنون ، بل زاد بالبعث عقلا وعلما ، وإنما هو الكراهية للحق ، ولذا قال:{ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} ،{ بل} للإضراب عن كل ما سبق فهم يعرفون إعجاز القرآن وقد تحداهم أن يأتوا بمثله فعجزوا ، وإذا لم يتدبروا القول ، فهو يقرعهم بالحجة ، وهم يعرفون الأمانة عنده ، وهم لا يقولون صادقين إنه مجنون ، ليس هذا ولا شيء منه ، ولكن الحق ثقل عليهم ، وقد جاء به ليبطل عبادة الأوثان وتحريمهم ما أحل الله ، وأكثر أهل مكة كارهون للحق:{ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّه . . . ( 116 )} [ الأنعام] ، وإن هو إلا الهوى سيطر عليهم واتخذوا إلههم هواهم