غض البصر
غض البصر هو النقص من النظر بحيث لا يمعن بالنظر ، ولا يحاول أن يتقصى أطراف من ينظر إليه ، و( من ) في قوله تعالى:{ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} إما أن نقول:إنها لتقوى الأمر بالغض ، أي غضوا أبصاركم أيّ غض ، فلا تمعن في شيء من النساء ، وإما أن نقول إنها للتبعيض ، أي تغض من بعض بصرك ، والبعض الذي يغض عنه هو الإمعان والتتبع ، والاستمرار في النظر حتى تغيب عنه ، لا ينفلت بنظره عنها ، فذلك هو المطلوب من الغض ، أما نظر الفجأة فمعفو عنه ، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:( لا تتبع النظرة النظرة ، فإنما الأولى لك والثانية عليك ){[1566]} .
ولقد قال صلى الله عليه وسلم في معنى هذا:( إياكم والجلوس في الطرقات ، فقالوا:مالنا من مجالسنا بدّ ، نتحدث فيها ، فقال:فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه ، قالوا:وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال:غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) .
وابتدأ سبحانه وتعالى بالأمر بغض البصر ، لأنه الباب الأكبر إلى القلب ، ولأن النظرة المريبة ذريعة إلى أكبر الفحش ، ولأن النظر المحصف يناقض الحياء ، ولأنه يؤذي النساء ، فيمنعهن من قضاء شئونهن خارج منازلهن ، ومالهن بد من أدائها ، ولأن غض البصر ، ينشر اللياقة والحياء العام ، والحياء خير كله .
{ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} معطوفة على الأمر بغض الأبصار الذي كانا عاما ، ولذا جمعت الأبصار ، وذلك لتطهير البيئة الاجتماعية الإنسانية ، فإن سلامة البيئة تجعل الرأي العام صالحا طيبا ظاهرا فاضلا يحث على الفضيلة ، ويمنع الرذيلة ، وفوق ذلك أمر بحفظ الفروج ، والفروج جمع فرج ، وهو سوءة المرأة وسوءة الرجل ، وحفظها بسترها ، ومنعها مما حرم الله تعالى ، وهو الزنى ، فإن الزنى يعرضها للأمراض الخبيثة ، ويمنع النسل ، والفروج تشمل فروج الرجال والنساء معا ، وخوطب الرجال بحفظ فروج النساء بسترهن ، ومتعهن بما أحل الله ، وألا يؤذوهن بالفاحشة ، وألا يعرضوهن لها ، ولما حرم الله ، فالرجل مسئول عن حشمة النساء ، وهو الحريص عليهن .
{ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} ذلك ، وهو غض البصر ، وحفظ الفروج ، أطهر لكم فيكون المجتمع طاهرا نقيا سليما ، والبيوت طاهرة سليمة ، وهم في ذات أنفسهم أطهار طيبون ، ويكونون خيرا في خير يظلهم الخير دائما ، ويكونون في قبة من الفضيلة تظلهم ، وتؤدي بهم جميعا إلى جنة الآخرة ، كما كانوا في ظلة من الفضيلة في الدنيا .
{ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} هذا النص فيه تهديد وتبشير ، فيه تبشير للأخيار إن استقاموا على الطريقة المستقيمة وفيه إنذار للفجار ، لأنه سبحانه عليم علما دقيقا بما يصنعه كل واحد من الناس ، و{ يصنعون} أدق في الدلالة على العمل من:يعملون ؛ لأن يصنع معناها يفعله ويصير عادة له كعادة الصانع في صنعته .
ويلاحظ أن الخطاب كان من الله تعالى للنبي ليأمر المؤمنين بأن يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ، لأن ذلك من تبليغ النبي صلى الله عليه وسلم ربه ،