/م30
التّفسير
مكافحة السفور وخائنة الأعين:
قلنا في البداية: إنّ هذه السورةفي الحقيقةاختصت بالعفة والطهارة وتطهير الناس من جميع الانحرافات الجنسية ،وبحوثها منسجمة ،وهي تدور حول الأحكام الخاصّة بالنظر إلى الأجنبية والحجاب ،ولا يخفى على أحد ارتباط هذا البحث بالبحوث الخاصّة بالقذف .
تقول الآية أوّلا: ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ) .
وكلمة «يغضوا » مشتقّة من «غضّ » من باب «ردّ » وتعني في الأصل التنقيص ،وتطلق غالباً على تخفيض الصوت وتقليل النظر .لهذا لم تأمر الآية أن يغمض المؤمنون عيونهم .بل أمرت أن يغضّوا من نظرهم .وهذا التعبير الرائع جاء لينفي غلق العيون بشكل تام بحيث لا يعرف الإِنسان طريقه بمجرّد مشاهدته امرأة ليست من محارمه ،فالواجب عليه أن لا يتبحّر فيها ،بل أن يرمي ببصره إلى الأرض ،ويصدق فيه القول أنه غضَّ من نظره وأبعد ذلك المنظر من مخيلته .
وممّا يلفت النظر أنّ القرآن الكريم لم يحدد الشيء الذي يستوجب غضّ النظر عنه .( أي أنه حذف متعلّق الفعل ) ليكون دليلا على عموميته .أي غضّ النظر عن جميع الأشياء التي حرم الله النظر إليها .
ولكن سياق الكلام في هذه الآيات ،وخاصّة في الآية التالية التي تتحدث عن قضية الحجاب ،يوضح لنا جيداً أنها تقصد النظر إلى النساء غير المحارم ،ويؤكّد هذا المعنى سبب النّزول الذي ذكرناه{[2766]} سابقاً .
ويتّضح لنا ممّا سبق أن مفهوم الآية السابقة ليس هو حرمة النظر الحاد إلى النساء غير المحارم ،ليتصور البعض أنَّ النظر الطبيعي إلى غير المحارم مسموح به ،بل إن نظر الإنسان يمتدّ إلى حيّز واسع ويشمل دائرة واسعة ،فإذا وجد امرأة من غير المحارم عليه أن يخرجها عن دائرة نظره .وألاّ ينظر إليها ،ويواصل السير بعين مفتوحة ،وهذا هو مفهوم غضّ النظر .( فتأملوا جيداً ) .
الحكم الثّاني في الآية السابقة: هو «حفظ الفروج » .و«الفرج »كما قلنا سابقاًيعني الفتحة والفاصلة بين شيئين ،إلاّ أنّها هنا ورد كناية عن العورة .
والقصد من حفظ الفرجكما ورد في الأحاديثهو تغطيته عن الأنظار ،وقد جاء في حديث عن الإمام الصادق( عليه السلام ) قوله: «كلّ آية في القرآن فيها ذكر الفروج فهي من الزنا ،إلاّ هذه الآية فإنّها من النظر »{[2767]} .
إن الإسلام نهى عن هذا العمل المندفع مع الأهواء النفسية والشهوات ،لأنّ ( ذلك أزكى لكم ) كُما نصّت عليه الآيةموضع البحثفي ختامها .
ثمّ تحذر الآية أُولئك الذين ينظرون بشهوة إلى غير محارمهم ،ويبررون عملهم هذا بأنّه غير متعمّد فتقول: ( إنّ الله خبير بما تصنعون ) .
/خ31