/م30
وتناولت الآية التالية شرح واجبات النساء في هذا المجال ،فأشارت أوّلا إلى الواجبات التي تشابه ما على الرجال ،فتقول: ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ) .
وبهذا حرم الله النظر بريبة على النساء أيضاً مثلما حرّمه على الرجال ،وفرض تغطية فروجهن عن أنظار الرجال والنساء مثلما جعل ذلك واجباً على الرجال .
ثمّ أشارت الآية إلى مسألة الحجاب في ثلاث جمل:
1( ولا يبدين زينتهن إلاّ ما ظهر منها ) .
اختلف المفسّرون في تفسير الزينة التي تجب تغطيتها ،والزينة الظاهرة التي يسمح بإظهارها .
فقال البعض: إنّ الزينة المخفية هي الزينة الطبيعية في المرأة ( جمال جسم المرأة ) في حين أن استخدام هذه الكلمة بهذا المعنى قليل .
وقال آخرون: إنّها تعني موضع الزينة: لأن الكشف عن أداة الزينة ذاتها كالعضد والقلادة مسموح به ،فالمنع يخصُ موضعها ،أي اليدين والصدر مثلا .
وقال آخرون: خصّ المنع أدوات الزينة عندما تكون على الجسم ،وبالطبع يكون الكشف عن هذه الزينة مرادفاً للكشف عن ذلك الجزء من الجسم .( و هذين التّفسيرين الأخيرين لهما نتيجة واحدة على الرغم من متابعة القضية عن طريقين مختلفين ) .
والحق أنّنا يجب أن نفسر الآية على حسب ظاهرها ودون حكم مسبّق ،وظاهرها هو التّفسير الثّالث .
وعلى هذا ،فلا يحق للنساء الكشف عن زينتهن المخفية ،وإن كانت لا تُظهر أجسامهن ،أي لا يجوز لهن الكشف عن لباس يتزيّن به تحت اللباس العادي أو العباءة ،بنصّ القرآن الذي نهاهنَّ عن ذلك .
وذكرت الأحاديث التي رُويت عن أهل البيت( عليهم السلام ) هذا المعنى ،فقد فسّروا الزينة المخفية بالقلادة والدملج ( حلي يشدُّ أعلى الساعد ) والخلخال{[2768]} .
وقد فسّرت أحاديث عديدةُ أُخرى الزينة الظاهرة بالخاتم والكحل وأمثاله ،لهذا نفهم بأنّ المراد من الزينة المخفية الزينة التي تحت الحجاب ( فتأملوا جيداً ) .
2وثاني حكم ذكرته الآية هو: ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) وكلمة «خُمُر » جمع «خِمار » على وزن «حجاب » في الأصل تعني «الغطاء » ،إلاّ أنّه يطلق بصورة اعتيادية على الشيء الذي تستخدمه النسوة لتغطية رُؤوسهن .
و«الجيوب » جمع «جيب » على وزن «غيب » بمعنى ياقة القميص ،وأحياناً يطلق على الجزء الذي يحيط بأعلى الصدر لمجاورته الياقة .
ويستنتج من هذه الآية أنّ النساء كنّ قبل نزولها ،يرمين أطراف الخمار على أكتافهن أو خلف الرأس بشكل يكشفن فيه عن الرقبة وجانباً من الصدر ،فأمرهن القرآن برمي أطراف الخمار حول أعناقهن أي فوق ياقة القميص ليسترن بذلك الرقبة والجزء المكشوف من الصدر .( ويستنتج هذا المعنى أيضاً عن سبب نزول الآية الذي ذكرناه آنفاً ) .
3وتشرح الآية في حكمها الثّالث الحالات التي يجوز للنساء فيها الكشف عن حجابهنّ وإظهار زينتهنّ ،فتقول ( ولا يبدين زينتهن إلاّ ) .
1( لبعولتهن ) .
2( أو آبائهن ) .
3( أو آباء بعولتهن ) .
4( أو أبنائهن ) .
5( أو أبناء بعولتهن ) .
6( أو إخوانهن ) .
7( أو بني إخوانهن ) .
8( أو بني أخواتهن ) .
9( أو نسائهن ) .
10( أو ما ملكت أيمانهن ) .
11( أو التابعين غير أولي الإِربة من الرجال ) أي الرجال الذين لا رغبة جنسية عندهم أصلا بالعنن أو بمرض غيره .
12( أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ) .
4وتبيّن الآية رابع الأحكام فتقول ( ولا يضربن بأرجلهنّ ليعلم ما يخفين من زينتهنّ ) أي على النساء أن يتحفّظن كثيراً ،ويحفظن عفّتهنّ ،ويبتعدن عن كلّ شيء يثير نار الشهوة في قلوب الرجال ،حتى لا يتهمن بالانحراف عن طريق العفة .
ويجب أن يراقبن تصرفهن بشدّة بحيث لا يصل صوت خلخالهن إلى آذان غير المحارم ،وهذا كله يؤكّد دقّة نظر الإسلام إلى هذه الأُمور .
وانتهت الآية بدعوة جميع المؤمنين رجالا ونساءً إلى التوبة والعودة إلى الله ليفلحوا ( وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) وتوبوا أيّها الناس ممّا ارتكبتم من ذنوب في هذا المجال ،بعدما اطلعتم على حقائق الأحكام الإسلامية ،وعودوا إلى الله لتفلحوا ،فلا نجاة لكم من كلّ الانحرافات الخطرة إلاّ بلطف من الله ورحمته ،فسلّموا أمركم إليه !
صحيح أنّه لا معنى للذنوب والمعاصيفي هذه المسألةقبل نزول هذه الأحكام من الله ،إلاّ أنّنا نعلم بأنّ قسماً من المسائل الخاصّة بالانحطاط الخلقي ذا جانب عقلاني وكما في الاصطلاح أنها من «المستقلات العقلية » ويكفي لوحده في تحديد المسؤولية .
/خ31