وقوله تعالى:{ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} ، إن اتصال هذه الآية بما قبلها إعرابا وبيانا للمعاني واضح ، لأن{ رجال} فاعل ل{ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} ، وقد بين سبحانه أحوال هؤلاء الرجال وصفاتهم ، فقال:{ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} أما إنهم لا تلهيهم الحياة وما فيها عن ذكر الله ، فهم في ذكر لله دائم ، في تجارتهم يذكرون وفي بياعاتهم يذكرون الله تعالى ، فذكر الله يجب أن تملأ به القلوب ، لا يغفلون عن ذكره أبدا ، وإذا ذكر الله تعالى في معاملاته الإنسانية كان في طهارة دائمة فلا يغش ، ولا يداهن ، ولا يبخس الناس أشياءهم ، والصلاة شرعت في أوقاتها الخمس لدوام ذكر الله تعالى ، فصلاة الفجر لملء النفس بذكر الله ، فيقبل على الحياة ، وهو ممتلئ بذكر الله تعالى ، حتى إذا ابتدأ القلب يصدأ جاءت الظهر فجعلته وطهرته بذكر الله ، حتى صلاة الأصيل ثم صلاة العشاءين ، ويختم اليوم بتسبيح الله تعالى ، وامتلاء الناس بذكره ، ويستمر ذكر الله فيهم ، ولا تلهيهم تجارة ولا بياعات ، ولا أعمال الحياة عن ذكر الله أبدا ؛ لأنهم في ذكر دائم بعبادة الله تعالى وخصوصا الصلاة ، ولذا ذكر الصلاة وإقامتها ، فقال تعالى:{ وإقام الصلاة} وهذا من عطف الخاص على العام ، وإقام الصلاة الإتيان بها مقومة مستقيمة بذكر الله تعالى في كل أركانها وكل عباراتها . والصلاة كما أشرنا تهذيب الروح واتصالها بالله ، والمصلي وهو واقف لإقامتها يحس بأنه واقف في الحضرة الربانية ، والله يراه وهو العليم بما في الصدور ، وما تخفي الأنفس ، وهؤلاء لا تلهيهم مطالب الحياة وغاياتها عن إيتاء الزكاة ، وهي التعاون الاجتماعي الذي تقوم على دعائمه الحياة الإنسانية في الإسلام .
وإن الأساس للخلاص الكامل للمؤمن هو الإيمان بالبعث والنشور والقيامة والحساب ، فإن ذلك يجعل الإنسان يحس بأن لحياته معنى وغاية ، ولم يخلق عبثا أو سدى ، بل إن له يوما يحاسب فيه على ما قدم وما كسب ، ولذا قال في أوصاف الرجال الذين يعمرون مساجد الله{ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} ، أي يخافون يوم الفزع الأكبر ، و{ تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ} تضطرب ، والتقلب التحول أي بمعنى تتحول وتنتقل من مكانها ثم تعود ، وتكون في تحول ثم عودة ، وهذا يدل على اضطرابها ، وفزعها أشد ما يكون الفزع ، وإن تقلب القلوب يكون بين الطمع والخوف ، والرجاء والهلع ، وتقلب الأبصار يكون بأن تتقلب حدقة العين في الحركة من الخوف ، وهذا يدل على فزع واضطراب مستمر ، كما قال تعالى:{ ونقلب أفئدتهم وأبصارهم . . . ( 110 )} [ الأنعام] .
والنتيجة لهذا اليوم بينها الله تعالى بقوله: