المراد بالرجال: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان مثلهم في التعلق بالمساجد .
وتخصيص التسبيح بالرجال على هذا لأنهم الغالب على المساجد كما في الحديث: «...ورجلٌ قلبه معلق بالمساجد» .ويجوز عندي أن يكون{ في بيوت} خبراً مقدماً و{ رجال} مبتدأ ،والجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً ناشئاً عن قوله:{ يهدي الله لنوره من يشاء}[ النور: 35] فيسأل السائل في نفسه عن تعيين بعض ممن هداه الله لنوره فقيل: رجال في بيوت .والرجال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والبيوت مساجد المسلمين وغيرها من بيوت الصلاة في أرض الإسلام والمسجد النبوي ومسجد قباء بالمدينة ومسجد جؤاثى بالبحرين .
ومعنى{ لا تلهيهم تجارة} أنهم لا تشغلهم تجارة ولا بيع عن الصلوات وأوقاتها في المساجد .فليس في الكلام أنهم لا يتجرون ولا يبيعون بالمرة .
والتجارة: جلب السلع للربح في بيعها ،والبيع أعم وهو أن يبيع أحد ما يحتاج إلى ثمنه .
وقرأ الجمهور:{ يسبح} بكسر الموحدة بالبناء للفاعل و{ رجال} فاعله .وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم بفتح الموحدة على البناء للمجهول فيكون نائب الفاعل أحد المجرورات الثلاثة وهي{ له فيها بالغدو} ويكون{ رجال} فاعلاً بفعل محذوف من جملة هي استئناف .ودل على المحذوف قوله:{ يسبّح} كأنه قيل: من يسبحه ؟فقيل: يُسبح له رجال .على نحو قول نهشل بن حَريّ يرثي أخاه يزيد:
لِيُبْكِ يزيدُ ضارعٌ لخصومة *** ومختبطٌ مما تُطيح الطوائح
وجملة:{ لا تلهيهم تجارة} وجملة:{ يخافون} صفتان ل{ رجال} ،أي لا يشغلهم ذلك عن أداء ما وجب عليهم من خوف الله{ وإقام الصلاة} الخ وهذا تعريض بالمنافقين .
و{ إقام} مصدر على وزن الإفعال .وهو معتل العين فاستحق نقل حركة عينه إلى الساكن الصحيح قبله وانقلاب حرف العلة ألفاً إلا أن الغالب في نظائره أن يقترن آخره بهاء تأنيث نحو إدامة واستقامة .وجاء مصدر{ إقام} غير مقترن بالهاء في بعض المواضع كما هنا .وتقدم معنى إقامة الصلاة في صدر سورة البقرة ( 3 ) .
وانتصب{ يوماً} من قوله:{ يخافون يوماً} على المفعول به لا على الظرف بتقدير مضاف ،أي يخافون أهواله .
وتقلّب القلوب والأبصار: اضطرابها عن مواضعها من الخوف والوجل كما يتقلب المرء في مكانه .وقد تقدم في قوله تعالى:{ ونقلب أفئدتهم وأبصارهم} في سورة الأنعام ( 110 ) .والمقصود من خوفه: العمل لما فيه الفلاح يومئذٍ كما يدل عليه قوله:{ ليجزيهم الله أحسن ما عملوا} .