( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ) إنّ هذه الخصائص تكشف عن أنَّ هذه البيوت هي المراكز التي حُصِّنَتْ بأمر من الله ،وأنّها مركز لذكر الله ولبيان حقيقة الإسلام وتعاليم الله ،ويضم هذا المعنى الواسع المساجد وبيوت الأنبياء والأولياء خاصّة بيت النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبيت عليّ( عليه السلام ) .ولا دليل يؤيِّدُ حصرها من قبل بعض المفسّرينبالمساجد أو بيوت الأنبياء وأمثالها .
وفي الحديث المروي عن الإمام الباقر( عليه السلام ) «هي بيوت الأنبياء وبيت عليّ منها »{[2776]} .
وفي حديث آخر حيث سئل النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) لمّا قرأ الآية ،أي بيوت هذه ؟فقال: «بيوت الأنبياء » فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله ،هذا البيت منها ،يعني بيت عليّ وفاطمة .قال: «نعم ،من أفاضلها »{[2777]} .
وكل ذلك إشارة إلى مصاديق واضحة تذكرها الأحاديث كعادتها حين تفسير القرآن .
أجل ،إنَّ كُلَّ مركز يقامُ بأمر من الله ،ويذكر فيه اسمه ويسبح له فيها بالغدو والآصال ،وفيه رجال لا تلهيهم تجارة عن ذكر الله ،فهي مواضع لمشكاة الأنوار الإلهية والإِيمان والهداية .
ولهذه البيوت عدّة خصائص:
أوّلها: أنّها شيّدتْ بأمر من الله .
والأُخرى: إن جدرانها رُفعت وأُحكم بناؤها لتمنع تسلل الشياطين .
وثالثها: أنها مركز لذكر الله .
وأخيراً: فإنّ فيها رجالا يَحْرسُونُها ليل نهار ،وهم يسبحون الله ،ولا تلهيهم الجواذب الدنيوية عن ذكر الله .
هذه البيوت بهذه الخصائص ،مصادر للهداية والإِيمان .
ولابدّ من التنبيه إلى ورود كلمتين في هذه الآية هما «التجارة » و«البيع » وهما كلمتان تبدوان وكأنّ لهما معنىً واحداً ،إلاّ أنّ الفرق بينهما هو أنّ التجارة عمل مستمر ،والبيع يُنجز مرة واحدة ،وقد تكون عابرة .
ويجب الالتفات إلى أنَّ الآية لم تقل: أنّ هؤلاء لا يمارسون أبداً التجارة والبيع بل قالت: إنّهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله .
إنّهم يخافون يوم القيامة والعدل الإِلهي الذي تتقلّب فِيْه القلوبُ والأبصار من الخوف والوحشة ( ويجب الانتباه إلى أنَّ الفعل المضارع ،«يخافون » يدلّ على الاستمرار في الخوف ،وهذا الخوف هو الذي دفعهم إلى تحمل مسؤولياتهم ،ولبلوغ رسالتهم في الحياة ) .
/خ38