ولقد رد الله سبحانه وتعالى زعمهم بإثبات ان الثواب والعقاب بالعمل ،إن خيرا فخير ،وإن شرا فشر ؛ولذا قال سبحانه:
{ فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}كيف:يستفهم بها عن الحال ،أي ما حالهم وما شانهم إذا جمعهم الله رب العالمين/ليوم لا ريب فيه ؟لا شك انهم يفاجئون بذهاب غرورهم الذي اغتروه ،وضلالهم بسبب استمرار افترائهم الذي أحدثوه فدلاهم في غرورهم ؛وإنه في هذا اليوم الذي لا ريب فيه توفى كل نفس ما كسبت أي جزاء ما كسبت ، وهم لا يظلمون أي لا ينقصون مما فعلوه شيئا ،فسيجزون بالخير الحسنى ،وبالشر السوء .
وفي الآية الكريمة بعض البحوث اللفظية نشير غليها واحدا واحدا ؛لأن في بيانها توجيها إلى معان دقيقة في النص الكريم:
أول هذه الأمور:الفاء في قوله تعالى:{ فكيف}فإنها هي ما تسمى فاء الإفصاح ،وهي التي تفصح عن شرط مقدر ،أي انه إذا كانت العقوبة المقررة عليكم أياما معدودات في اعتقادكم مهما ارتكبتم ، فماذا تكون حالكم إذا كانت المفاجأة التي لم تقدروها وطمس عليكم فلم تعلموها ؟ .
وثاني هذه المباحث اللفظية قوله تعالى:{ جمعناهم}فإن التعبير بلفظ الجمع فيه إشارة إلى معنى المساواة التامة ،وانه لا فضل لجنس على جنس ،وإضافة هذا الجمع إلى رب العالمين ،خالق الناس أجمعين يزكي هذه المساواة ؛لأنه خالق الجميع ،ورب الجميع ،وجامع الجميع يوم القيامة ،فالجميع بين يديه سواء في الأصل والتكوين وفي الربوبية والحفظ ،وفي الجمع يوم القيامة فيكونون سواء في الحساب والعقاب والثواب ،وكل وعمله .
وثالث هذه الأمور:تنكير"يوم"في قوله تعالى:{ ليوم لا ريب فيه}فإن ذلك التنكير للتهويل ،وبيان عظم شانه وانه يوم عبوس ،وانه مع شدته وشدة الحساب لا ريب في وجوده ولا شك .وذكر قوله:{ لا ريب فيه}في هذا المقام لأن من اليهود طائفة تنكر البعث ،فالتأكيد لجل هذه الطائفة المنكرة الملحدة في دين الله ، الخارجة على كل أديان السماء ،والباقون عن اعتقدوا بعقولهم لم يذعنوا بأفعالهم .
ورابع هذه المباحث اللفظية في التعبير بقوله تعالى:{ وفيت كل نفس ما كسبت}إسناد التوفية إلى ما كسبت وعدم ذكر الجزاء ،فيه إشارة إلى عدل الله اللطيف الخبير ،وهو مساواة الجزاء للعمل ، وكان المثاب يوفى عمله ،ولا جزاء عمله ،وذلك لشدة المساواة بينهما .وقد أكد سبحانه وتعالى معنى العدالة وان كل شئ بالقسطاس المستقيم بقوله:{ وهم لا يظلمون}أي سيجزون بأعمالهم ،وسينالون ما يستحقون ،وكل ما ينالهم بسبب ما فعلوا هو العدل عينه ،ولا ظلم ،فإذا ألقوا في السعير فليس في ذلك ظلم هو العدل .وغن سبب ضلال اليهود انهم زين لهم سوء عملهم فرأوه حسنا .
فاللهم أرنا عيوب أنفسنا ،وجنبنا الاغترار في ديننا ،إنك سميع الدعاء .