{ فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه} أي فكيف يكون حالهم إذا جمعناهم لجزاء يوم لا ريب في مجيئه وهو يوم الدين{ ووفيت كل نفس ما كسبت} بأن رأت ما عملته محضرا موفى لا نقص فيه فكان منشأ الجزاء ، ومناط السعادة أو الشقاء ، دون الانتماء إلى دين كذا ومذهب كذا أو الانتساب إلى فلان وفلان من النبيين والصالحين .إلا إنهم يرون يومئذ أن الجزاء يكون بشيء من داخل نفوسهم لا من شيء خارج عنها .يكون بما أحدثته أعمالهم فيها من الصفات الحسنة أو القبيحة ومقدرة بقدر ذلك .ويرون أن الناس سواء في هذا الجزاء لا امتياز فيه بين الشعوب وإن سمي بعضها بشعب الله .ولا بين الأفراد وإن لقبوا أنفسهم بأبناء الله .بل يرون هناك العدل الأكمل ولذلك قال{ وهم لا يظلمون} أي الناس المشار إليهم بلفظ"كل نفس "أي لا ينقض من جزاء أحد بما كسب شيء وإن كان مثقال ذرة .
وقد قال المفسرون في هذه الجملة كلمة أحب التنبيه على ما فيها .قالوا:فيها دليل على أن العبادة لا تحبط وأن المؤمن لا يخلد في النار لأن توفية جزاء إيمانه وعمله لا تكون في النار ولا قبل دخولها .فإذن هي بعد الخلاص منها .والعبارة للبيضاوي ونقلها أبو السعود كعادته .وأقول:إن الكسب هنا ليس خاصا بالعبادة والإيمان بل هو عام شامل لكل ما عمله العبد من خير وشر فإذا أرادوا أن الآية تدل على أنه لا بد من الجزاء على الكسب ، كما هو ظاهر الآية لزمهم أن الكافر إذا أحسن في بعض الأعمالولا يوجد أحد من البشر لا يحسن عملا قطوجب أن يجازى عليه وهم لا يقولون بذلك .ولذلك خصصوا وأخرجوا الآية عن ظاهرها وإذا نحن جمعنا بين هذه الآية التي وردت ردا لقول الذين زعموا أنهم لا تمسهم النار إلا أياما معدودة وآية البقرة التي وردت في ذلك أيضا علمنا مراد الله في الجزاء على كسب الإنسان بحسبه ، وهو العبرة بتأثير العمل في النفس .فإذا كان أثره السيئ قد أحاط بعلمها وشعورها واستغرق وجدانها كانت خالدة في النار لأن العمل السيئ لم يدع للإيمان أثرا صالحا فيها يعدها لدار الكرامة ، بل جعلها من أهل دار الهوان بطبعها .وإذا لم يصل إلى هذه الدرجة بأن غلب عليها تأثير العمل الصالح أو استوى الأمران ، فكانت بين بين جوزيت على كل بحسب درجته كما قررناه آنفا .وليس عندنا شيء عن الأستاذ الإمام في هذه الآية ولكن ما قلناه موافق لما قرره في سورة البقرة .