( فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ 147 سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ 148 قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ 149 ) .
ان الله سبحانه وتعالى في حكمته البالغة لا يجعل الكافر في يأس من مغفرته ولا يطمع في أن ينجو من عقابه إن أصر على معصيته ولم يتب وهو في عافية وقوة ولذا قال تعالى
( فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ )
يخاطب الله نبيه الكريم بقوله:( فإن كذبوك ) كافرين برسالتك فلا تجعلهم في يأس من أن يتوبوا وينتهوا من كفرهم على إيمان بربهم ، وقل لهم عن ربك فاتحا باب التوبة والإيمان من غير أن تؤيسهم ( ربكم ذو رحمة واسعة ) أي صاحب رحمة وسعت كل الوجود أنعم على الناس بالوجود ، والنعم المترادفة لعصاتهم والطائعين فيهم ، وقد فتح باب التوبة للعصاة والثواب ثابت للطائعين .
وانه مع هذه الرحمة الواسعة التي سعت كل عاص يفتح باب التوبة له ، والطائع بالثواب والنعيم المقيم إنه سبحانه مع ذلك لا يترك العصاة المصرين من غير عقاب إذا استمروا على غيهم ولذا قال تعالى:
( ولا يرد باسه عن القوم المجرمين ) .
البأس الشدة والظاهر أن المراد هنا العذاب الأليم يوم القيامة وعبر سبحانه بقوله:( القوم المجرمين ) بلفظ القوم ، لأن الإجرام يكون في جماعة تتضافر على الشر ويتعاونون على الاثم والعدوان ونادر أن يكون من واحد بمفرده ، أو عدد متنافر غير مجتمع متعاون على الشر . هذا وإن سنة الله تعالى في كتابه ، الحكيم أن فتح التوبة مرغبا فيها ، وان يذكر بجوارها العقاب كما قال تعالى:(. . .وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب 6 ) ( الرعد ) وكما قال عز من قائل:( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم 49 وأن عذابي هو العذاب الأليم 50 ) ( الحجر ) وكقوله تعالت كلماته:( ان بطش ربك لشديد 12 إنه هو يبدئ ويعيد 13 وهو الغفور الودود 14 ) ( البروج ) وكقوله سبحانه:( غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ) ( غافر ) .