تفريع على الكلام السّابق الذي أبطل تحريم ما حرّموه ،ابتداء من قوله:{ ثمانية أزواج}[ الأنعام: 143] الآيات أي: فإن لم يرعَوُوا بعد هذا البيان وكذّبوك في نفي تحريم الله ما زعموا أنَّه حرّمه فذكِّرهم ببأس الله لعلّهم ينتهون عمّا زعموه ،وذكِّرهم برحمته الواسعة لعلّهم يبادرون بطلب ما يخوّلهم رحمته من اتّباع هَدي الإسلام ،فيعود ضمير:{ كذبوك} إلى المشركين وهو المتبادر من سياق الكلام: سابِقِه ولاحقه ،وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون في قوله:{ فقل ربكم ذو رحمة واسعة} تنبيه لهم بأنّ تأخير العذاب عنهم هو إمهال داخل في رحمة الله رحمة مؤقّته ،لعلّهم يسلمون .وعليه يكون معنى فعل:{ كذبوك} الاستمرار ،أي إن استمرّوا على التّكذيب بعد هذه الحجج .
ويجوز أن يعود الضّمير إلى{ الذين هادوا}[ الأنعام: 146] ،تكملة للاستطراد وهو قول مجاهد والسُدّي: أنّ اليهود قالوا لم يُحرّم الله علينا شيئاً وإنَّما حرّمنا ما حرّم إسرائيل على نفسه ،فيكون معنى الآية: فَرْض تكذيبهم قوله:{ وعلى الذين هادوا حرمنا}[ الأنعام: 146] إلخ ،لأنّ أقوالهم تخالف ذلك فهم بحيث يكذّبون ما في هذه الآية ،ويشتبه عليهم الإمهال بالرّضى ،فقيل لهم:{ ربكم ذو رحمة واسعة} .ومن رحمته إمهاله المجرمين في الدّنيا غالباً .
وقوله:{ ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين} فيه إيجاز بحذف تقديره: وذو بأس ولا يُردّ بأسه عن القوم المجرمين إذا أراده .وهذا وعيد وتوقّع وهو تذييل ،لأنّ قوله:{ عن القوم المجرمين} يعمّهم وغيرهم وهو يتضمّن أنهم مجرمون .