السلام والسلامة بمعنى واحد . ومعنى ( سلام عليكم ) سلمكم الله في دينكم وأنفسكم نزلت في الذين نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن طردهم فكان إذا رآهم بدأهم بالسلام وقال:( الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرتي أن أبدأهم بالسلام ) فعلى هذا كان السلام من جهة النبي صلى الله عليه وسلم قيل:إنه كان من جهة الله تعالى أي أبلغكم منا السلام وعلى الوجهين ففيه دليل على فضلهم ومكانتهم عند الله تعالى . وفي صحيح مسلم عن عائذ ابن عمرو أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال ونفر فقالوا:والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها قال:فقال أبو بكر:أتقولون هذا الشيخ قريش وسيدهم ؟ فأتى النبي صلى الله عليهم وسلم فأخبره فقال:( يا أبا بكر لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك ) فأتاهم أبو بكر فقال:يا إخوتاه أغضبتكم ) ؟ قالوا:لا يغفر الله لك يا أخي{[1015]} فهذ دليل على رفعة منازلهم وحرمتهم كما بيناه في معنى الآية .
ويستفاد من هذا احترام الصالحين واجتناب ما يغضبهم أو يؤذيهم فإن في ذلك غضب الله ، أي حللوا عقابه بمن آذى أحدا من أوليائه وقال ابن عباس:نزلت الآية في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وقال الفضيل ابن عياض:جاء قوم من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا:إنا قد أصبنا من الذنوب فاستغفر لنا فأعرض عنهم فنزلت الآية وروى عن أنس ابن مالك مثله سواء .
قوله تعالى:( كتب ربكم على نفسه الرحمة ) أي اوجب ذلك بخبره الصدج ووعده الحق ، فخوطب العباد على ما يعرفونه من أنه من كتب شيئا فقد أوجبه على نفسه . وقيل:كتب ذلك في اللوح المحفوظ ، ( أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ) أي خطيئة من غير قصد قال مجاهد:لا يعلم حلالا من حرام ومن جهالته ركب الأمر ، فكل من عمل خطيئة فهو بها جاهل . وقيل:من آثر العاجل على الآخرة فهو الجاهل . ( فانه غفور رحيم ) قرأ بفتح ( أن ) من ( فانه ) ابن عامر وعاصم وكذلك ( أنه من عمل ) وقرأ الباقون بالكسر فيهما{[1016]} فمن كسر فعلى الاستئناف والجملة مفسرة للترجمة و ( إن ) إذا دخلت على الجمل كسرت وحكم ما بعد الفاء الابتداء والاستئناف فكسرت لذلك ومن فتحهما فالأولى في موضع نصب على البدل من الرحمة بدل الشيء من الشيء وهو هو فأعمل فيها ( كتب ) كأنه قال:كتب ربكم على نفسه أنه من عمل ، وأما ( فأنه غفور ) بالفتح ففيه وجهان:أحدهما ، أن يكون في موضع رفع بالابتداء والخبر مضمر كأنه قال:فله أنه غفور رحيم لأن ما بعد الفاء مبتدأ أي فله غفران الله الوجه الثاني:أن يضمر المبتدأ تكون ( أن ) وما علمت فيه خبره تقديره فأمره غفران الله له ، وهذا اختيار سيبويه ولم يجز الأول وأجازه ابو حاتم . وقيل:إن ( كتب ) عمل فيها:أي كتب ربكم أنه غفور رحيم . وروى عن علي ابن صالح وابن هرمز كسر الأولى على الاستئناف وفتح الثانية على أن تكون مبتدأة أو خبر مبتدأ أو معمولة ل ( كتب ) على ما تقدم ومن فتح الأولى وهو نافع جعلها بدلا من الرحمة واستأنف الثانية لأنها بعد الفاء وهي قراءة بينة .