المفردات:
بجهالة: بسفه وسوء رأي .
التفسير:
53- وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم .ذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الآية تخص السابقين إلى الإسلام الذين سخر منهم الكبراء والأشراف ،فقد أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يبدأهم بالسلام ،وأن يبشرهم بما لزم الله به نفسه من رحمة عباده وقبول توبتهم ،متى تابوا وأصلحوا .
قال الإمام الشوكاني في فتح القدير:
وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا: هم الذين نهاه الله عن طردهم وهم المستضعفون من المؤمنين فقل سلام عليكم .تطييبا لخواطرهم وإكراما لهم ،وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد نزول هذه الآية إذا رآهم بدأهم بالسلام .
كتب ربكم على نفسه الرحمة .أي اوجب ذلك على نفسه إيجاب فضل وإحسان ،وقيل: كتب ذلك في اللوح المحفوظ ،وقيل: هذا من جملة ما أمره الله سبحانه .بإبلاغه إلى أولئك تبشيرا بسعة مغفرة الله وعظيم رحمته .
ويرى بعض المفسرين: أن هذه الآية الكريمة ليست خاصة بالمنهى عن طردهم من ضعفاء المؤمنين .
بل هي دستور عام لجميع المؤمنين المقصرين إذا ما تابوا وأصلحوا .
والمعنى: وإذا جاءك – يا محمد – الذين آمنوا ،وقد أصابوا بعض الذنوب ،فقل تبشيرا لهم: سلام عليكم ،أي مسالمة من الله ربكم ، وتلك المسالمة هي أنه تعالى قضى على نفسه بالرحمة لعباده: تفضيلا ،وذلك أنه من عمل منكم سوءا أي ذنبا – بجهالة – أي سفه وسوء رأى فشأنه تعالى: أنه غفار للذنوب رحيم بعباده فلا تقنطوا من رحمة الله ( 88 ) .
ومن المعروف في كتب علوم القرآن أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
فالآية عامة لجميع المؤمنين ،وما فيها من رحمة الله بعباده ،وتوبته على المذنبين ،ورحمته بالعصاة ،ومغفرته للنادمين ،أمر قد ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة .
فالتوبة النصوح ،إذا قرنت بالندم على فعل الذنوب ،وصدق الالتجاء إلى الله ،والانتقال من فعل الذنب ،إلى فعل الصلاح وامتثال المأثورات واجتناب المنهيات هذه التوبة جديرة بالقبول إن شاء الله .
قال تعالى: إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما* ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا .( الفرقان: 70: 71 ) .
وقال عز شأنه: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي هو العذاب الأليم .( الحجر: 49: 50 ) .
وقال سبحانه: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير .( غافر: 3 ):
وقال تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم .( الزمر: 53 ) .
وقال تعالى: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون * أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين .( آل عمران: 135: 136 ) .
وقال تعالى: إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما .( النساء: 17 ) .
وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فينادي يا عبادي هل من داع فأستجيب له ،هل من مستغفر فأغفر له ،هل من تائب فأتوب عليه ،هل من طالب حاجة فأقضيها له حتى يطلع الفجر ( 89 ) .
وفي الحديث الشريف: ( إن الله يمد يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويمد يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ( 90 ) .
وفي القرآن الكريم: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين .( البقرة: 222 ) .