وقوله:( وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم ) أي:فأكرمهم برد السلام عليهم ، وبشرهم برحمة الله الواسعة الشاملة لهم ; ولهذا قال:( كتب ربكم على نفسه الرحمة ) أي:أوجبها على نفسه الكريمة ، تفضلا منه وإحسانا وامتنانا ( أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ) قال بعض السلف:كل من عصى الله ، فهو جاهل .
وقال معتمر بن سليمان ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة في قوله:( من عمل منكم سوءا بجهالة ) قال:الدنيا كلها جهالة . رواه ابن أبي حاتم .
( ثم تاب من بعده وأصلح ) أي:رجع عما كان عليه من المعاصي ، وأقلع وعزم على ألا يعود وأصلح العمل في المستقبل ( فأنه غفور رحيم )
قال الإمام أحمد:حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن همام بن منبه قال:هذا ما حدثنا أبو هريرة قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"لما قضى الله الخلق ، كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش:إن رحمتي غلبت غضبي ". أخرجاه في الصحيحين وهكذا رواه الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ورواه موسى بن عقبة ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة . وكذا رواه الليث وغيره ، عن محمد بن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك
وقد روى ابن مردويه ، من طريق الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إذا فرغ الله من القضاء بين الخلق ، أخرج كتابا من تحت العرش:إن رحمتي سبقت غضبي ، وأنا أرحم الراحمين ، فيقبض قبضة أو قبضتين فيخرج من النار خلقا لم يعملوا خيرا مكتوب بين أعينهم . عتقاء الله ".
وقال عبد الرزاق:أخبرنا معمر ، عن عاصم بن سليمان ، عن أبي عثمان النهدي عن سلمان في قوله:( كتب ربكم على نفسه الرحمة ) قال:إنا نجد في التوراة عطفتين:أن الله خلق السماوات والأرض ، وخلق مائة رحمة - أو:جعل مائة رحمة - قبل أن يخلق الخلق ، ثم خلق الخلق ، فوضع بينهم رحمة واحدة ، وأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة . قال فبها يتراحمون ، وبها يتعاطفون ، وبها يتباذلون وبها يتزاورون ، وبها تحن الناقة ، وبها تثج البقرة ، وبها تثغو الشاة ، وبها تتابع الطير ، وبها تتابع الحيتان في البحر . فإذا كان يوم القيامة ، جمع الله تلك الرحمة إلى ما عنده ، ورحمته أفضل وأوسع .
وقد روي هذا مرفوعا من وجه آخر وسيأتي كثير من الأحاديث الموافقة لهذه عند قوله:( ورحمتي وسعت كل شيء ) [ الأعراف:156]
ومما يناسب هذه الآية [ الكريمة] من الأحاديث أيضا قوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل:"أتدري ما حق الله على العباد؟ أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا "، ثم قال:"أتدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك؟ ألا يعذبهم "وقد رواه الإمام أحمد ، من طريق كميل بن زياد ، عن أبي هريرة [ رضي الله عنه]