التّفسير
يرى بعض المفسّرين أنّ الآية نزلت بشأن الذين نهت الآيات السابقة عن طردهم وإِبعادهم ،ويرى بعض آخر أنّها نزلت في فريق من المذنبين قدموا على رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقالوا: إِنّهم قد أذنبوا كثيراً ،فسكت النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى نزلت الآية .
ومهما يكن سبب نزول الآية ،فالذي لا شك فيه أنّ معناها واسع وشامل ،لأنّها تبدأ أوّلا بالطلب من رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن لا يطرد المذنبين مهما عظمت ذنوبهم ،بل عليه أن يستقبلهم ويتقبلهم: ( وإِذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم ) .
يحتمل أن يكون هذا السّلام من الله بوساطة رسوله( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،أو أنّه من الرّسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) مباشرة ،وهوعلى كلا الاحتمالين دليل على القبول والترحيب والتفاهم والمحبّة .
ثمّ تقول الآية ( كتب ربّكم على نفسه الرحمة ) .
«كتب » تأتي في كثير من الأحيان كناية عن الإلزام والتعهد ،إِذ إِنّ من نتائج الكتابة توكيد الأمر وثبوته .
وفي الجزء الأخير من الآيةوهو توضيح وتفسير لرحمة اللهيتحدث بلهجة عاطفية: ( أنّه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفور رحيم ) .
وقد سبق القول{[1191]} أنّ «الجهالة » في مثل هذه المواضع تعني طغيان الشهوة وسيطرتها ،والإِنسان بسبب هذه الأهواء المستفحلة ،لا بسبب عدائه لله وللحقيفقد المقدرة العقيلة والسيطرة على الشهوات ،مثل هذا الشخصوإِن كان عالماً بالذنب والحرمةيسمى جاهلا ،لأنّ علمه مستتر وراء حجب الأهواء والشهوات ،وهذا الشخص مسؤول عن ذنوبه ،ولكنّه يسعى لإِصلاح نفسه وجبران أخطائه لأنّ أفعاله لم تكن عن روح عداء وخصام .
تأمر الآية رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن لا يطرد أي شخص مؤمن مهما تكن طبقته وظروفه وعنصره ،بل عليه أن ينظر إِلى الجميع بعين المساواة ،وأن يحتضنهم ويعمل على إِصلاحهم حتى وإِن كانوا ملوثين بالذنوب .