إنهم يستعجلون العذاب قبل أن ينزل ، وقد بين الله تعالى استحالة ذلك على مقتضى السنة التي سنها الله تعالى مع الرسل وأقوالهم ، وهي أن الله تعالى لا يعذبهم والرسل بينهم يدعون ، ولذا قال عز من قائل:{ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} .
هذا النص السامي فيه بيان أن اله لا يعذب الأقوام ، والرسول يدعوهم حتى يكون اليأس من إيمانهم كما فعل الله تعالى مع قوم نوح ، لقد قال تعالى عند إنزال العزم فيهم{ لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن . . . . . . . . . . . . ( 36 )} ( هود ) .
و( اللام ) في قوله تعالى:{ ليعذبهم} هي التي يسميها علماء النحو لام الجحود أي تكون لتأكيد النفي ، والمعنى:ما كان من شأن الله العلي الأعلى أن يعذب المشركين ، وأنت فيهم تدعو ، ويفشو الإيمان فيهم وقتا بعد آخر ، وهؤلاء بهذا الدعاء الذي يجحدون به يستعجلون العذاب ، والله فوق أهوائهم وله في خلقه سنة ولن تجد لسنة الله تعالى تبديلا ، ولقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول:( أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله تعالى ) ( 1 ){[1169]} .
ثم يقول سبحانه:{ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} ، قال بعض العلماء إن العذاب الذي يعم يكون الجميع مستحقونه ، فإذا كان فيهم من يستغفر لا يعمهم العذاب ، فمعنى{ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} ، أي بعضهم يستغفر وعبر بما يدل على الجميع للإشارة إلى أنه ينبغي أنم يكون ذلك ، وقيل إن المراد قولهم في الطواف:غفرانك . وقيل المراد توبتهم إن تابوا .
وينقدح في نفسي أن الأقرب للمعنى أن نقول ،{ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} ، بمعنى يدخلون في دين الله تعالى فوجا بعد فوج ، إذن لا نقطع السبيل على المستغفرين الذين يجيئون تباعا بإنزال العذاب ، بطلب المستعجلين خضوعا لأهوائهم وضلالهم .
وقد نفى الله عن ذاته العلية الشأن ، فقال تعالت كلماته:{ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ} فنفى اسم الفاعل وهو نفي الوصف القائم بالذات العلية ،{ إن الله غفور رحيم ( 20 )} ( المزمل ) .