{ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} أي وما كان من شأن الله تعالى وسنته ، ولا من مقتضى رحمته ولا حكمته ، أن يعذبهم وأنت أيها الرسول فيهم وهو إنما أرسلك رحمة للعالمين ونعمة ، لا عذابا ونقمة ، بل لم يكن من سنته أيضا أن يعذب أمثالهم من مكذبي الرسل وهم فيهم بل كان يخرجهم منهم أولا كما قال ابن عباس{ وما كان الله ليعذبهم} هذا النوع من العذاب السماوي الذي عذب بمثله الأمم فاستأصلهم أو مطلقا{ وهم يستغفرون} أي في حال هم يتلبسون فيها باستغفاره تعالى بالاستمرار ، روى الشيخان من حديث أنس قال أبو جهل:{ اللهم إن كان هذا هو الحق} –الآية- فنزلت:{ وما كان الله ليعذبهم} إلى قوله:{ وما لهم أن لا يعذبهم الله} الآية .
قال الحافظ في شرح الحديث من الفتح:روى ابن جرير من طريق زيد بن رومان أنهم قالوا ذلك ثم لما أمسوا ندموا فقالوا غفرانك اللهم فأنزل الله:{ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} ، وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن معنى قوله:{ وهم يستغفرون} أي من سبق له من الله أنه يؤمن وقيل المراد من كان بين أظهرهم حينئذ من المؤمنين ، قال الضحاك وأبو مالك ويؤيده ما أخرجه الطبري من طريق ابن أبزى قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأنزل الله:{ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} ثم خرج إلى المدينة فأنزل الله{ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} وكان من بقي من المسلمين بمكة يستغفرون ، فلما خرجوا أنزل الله:{ وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام} الآية .فأذن الله في فتح مكة فهو العذاب الذي وعدهم الله تعالى .
وروى الترمذي من حديث أبي موسى رفعه قال ( أنزل الله على أمتي أمانين ) فذكر هذه الآية قال:( فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار ) وهو يقوي القول الأول والحمل عليه أولى وإن العذاب حل بهم لما تركوا الندم على ما وقع منهم وبالغوا في معاندة المسلمين ومحاربتهم وصدهم عن المسجد الحرام والله أعلم اه .ما أورده الحافظ ، ويرد عليه أن الله عذبهم بالقحط لما دعا به عليهم النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحاح حتى أكلوا الميتة والعظام ولم يرتفع إلا بدعائه صلى الله عليه وسلم ولا يندفع إلا بتفسير العذاب الممتنع مع وجود الرسول والاستغفار بعذاب الاستئصال .ويؤيده أن ما عذب الله به قوم فرعون كان مع وجود موسى عليه السلام فيهم كما تقدم في سورة الأعراف والآيات نزلت مع السورة بالمدينة .