قوله:{ وما كان الله ليعذبهم وأنتَ فيهم} كناية عن استحقاقهم ،وإعلام بكرامة رسوله صلى الله عليه وسلم عنده ،لأنه جَعل وجوده بين ظهراني المشركين مع استحقاقهم العقاب سبباً في تأخير العذاب عنهم ،وهذه مكرمة أكرم الله بها نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم فجعل وجوده في مكان مانعاً من نزول العذاب على أهله ،فهذه الآية إخبار عما قدره الله فيما مضى .
وقال ابن عطية قالت فرقه نزلت هذه الآية كلها بمكة ،وقال ابن أَبزى نزل قوله:{ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} بمكة إثر قولهم:{ أو ائِتنا بعذاب أليم} ،ونزل قوله:{ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} عند خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقد بقي بمكة مؤمنون يستغفرون ،ونزل قوله:{ وما لهم أن لا يُعذبهم الله}[ الأنفال: 34] بعد بدر .
وفي توجيه الخطاب بهذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم واجتلاب ضمير خطابه بقوله:{ وأنتَ فيهم} لطيفة من التكرمة إذ لم يقل: وما كان الله ليعذبهم وفيهم رسوله ،كما قال:«وأنت فيهم » .لطيفة من التكرمة إذ لم يقل وما كان الله ليعذبهم وفيهم رسوله كما قال: « وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله .»
أما قوله « وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون » فقد أشكل على المفسرين نظمها ،وحمل ذلك بعضهم على تفكيك الضمائر فجعل ضمائر الغيبة من{ يعذبهم} و{ فيهم} و{ معذبهم} للمشركين ،وجعل ضمير وهم يستغفرون للمسلمين ،فيكون عائدا إلى مفهوم من الكلام يدل عليه « يستغفرون » فإنه لا يستغفر الله إلا المسلمون وعلى تأويل الإسناد فإنه إسناد لمن حل بينهم من المسلمين ،بناء على أن المشركين لا يستغفرون الله من الشرك .
فالذي يظهر أنها جملة معترضة انتهزت بها فرصة التهديد بتعقيبه وترغيب على عادة القرآن في تعقيب الوعيد بالوعد ،فبعد أن هدد المشركين بالعذاب ذكرهم بالتوبة من الشرك بطلب المغفرة من ربهم بان يؤمنوا بأنه واحد ،ويصدقوا رسوله ،فهو وعد بأن التوبة من الشرك تدفع عنهم العذاب وتكون لهم أمنا وذلك هو المراد بالاستغفار ،إذ من البين أن المراد بيستغفرون أنهم يقولون: غفرانك اللهم ونحوه ،إذ لا عبرة بالاستغفار بالقول والعمل يخالفه فيكون قوله{ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} تحريضا تحريضا وذلك في الاستغفار وتلقينا للتوبة زيادة في الاعذار لهم على معنى قوله{ ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم} وقوله-{ قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين} وفي قوله{ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} تعريض بأنه يوشك أن يعذبهم إن لم يستغفروا وهذا من الكناية العرضية .
وجملة « وهم يستغفرون » حال مقدرة أي إذا استغفروا الله من الشرك وحسن موقعها هنا أنها جاءت قيدا .لعامل منفي فالمعني وما كان الله معذبهم لو استغفروا وبذلك يظهر أن جملة{ وما لهم أن لا يعذبهم الله} صادفت محزها من الكلام أي لم يسلكوا يحول بينهم وبين عذاب الله فليس لهم أن ينتفي أن عنهم عذاب الله .
وقد دلت الآية على فضيلة الاستغفار وبركته بإثبات بأن المسلمين آمنوا من العذاب الذي عذب الله به الأمم لأنهم استغفروا من الشرك باتباعهم الاسلام روى الترمذي عن أبي موسى قال« قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أنزل الله علي أمانين لأمتى وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة »