وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ( 34 ) وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ( 35 ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ( 36 ) لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( 37 )
إن الله سبحانه وتعالى رد استعجالهم للعذاب ، كما استعجل المشركون إسلافهم العذاب ، فأنزل تعالى ، أما المشركون الذين بعث فيهم محمد صلى اله عليه وآله وسلم ، فما بعث لهم وحدهم ، بل بعث للأحمر والأسود ، والأبيض والأصفر ، فما كان لينهي رسالته بكفر أهل مكة وإصرارهم على الشرك ومعاندة الحق ، لا بل لا بد من تبليغ رسالة ربه ، وان يعرفها الكافة فقد أرسل إليهم ، كما قال تعالى:{ وما أرسلناك إلا كافة للناس . . . . . . . . . . ( 28 )} ( سبأ ) ولذلك قال:{ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} على ما ذكرنا ولكن هناك عذاب لهم ينزل بهم في الدنيا ، أساسه منازعة الحق للباطل ، وإزالة مثارات الشيطان أمام شرع الرحمن ، ولا بد أن يخلو وجه الناس للحق ، فكان لا بد من مغالبتهم بالقتال ، وهو بعون الله تعالى عذاب لهم ، وهذا هو العذاب الذي قرره الله تعالى لهم في قوله تعالى:
{ وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} .
هذا تعجب من عدم تعذيب الله لهم بالمغالبة ، ومنازعتهم ما وضعوا أيديهم عليه بالباطل ، وأقاموا أصنامهم فيه ، وليسوا أهلا لولايته .
والاستفهام للتعجب من مناقضة حالهم لما يجب لحرم الله الآمن ، والمعنى أي أمر ثبت لهم حتى يقيموا في الحرام ولا يعذبهم يمنعهم منه ، وهم يحاربون شعائره ، وذلك بصدهم عن سبيل الله ، وعن المسجد نفسه فهم يمنعون النبي صلى اله عليه وآله وسلم من أن يؤدي المناسك ، ويمنعون ضعاف المؤمنين بإيذائهم ، ويصدون الناس معنويا بوضع الأصنام على الكعبة بناء إبراهيم ، وينتهكون المحارم ، بحمل الناس على الطواف عرايا رجالا ونساء ، حتى إنهن ليسترن سوءاتهن بأكفهن ، هذا كله صد عن البيت .
فكيف لا يعذبهم الله بمغالبتهم على الاستيلاء على البيت ، والحال أنهم لا يقومون على حرمات البيت ، وهو المسجد الحرام الذي جعله الله حراما آمنا ، والناس يتخطفون من حوله .
والتعذيب ، كما أشرنا هو مغالبتهم لنزع البيت من تحت أيديهم ، ووضعه في يد أولياء الله ولكنهم يدعون أنهم سدنته ، أو أنه بأيديهم مفاتيحه ، من عهد إبراهيم ، وقد أجاب الله تعالى عن ذلك بأنهم ليسوا أولياءه ، أي ليسوا حماته ، أو القائمين عليه ؛ وذلك لأن ولايتهم إنما هي بالخلافة عن إبراهيم بانيه ورافع قواعده ، وما كان مشركا .
وإنهم إذ أشركوا ، وصدوا الناس عن المسجد الحرام ، ومنعوا غير العرايا ، قد فقدوا صفة الخلافة عن إبراهيم الذي جاء بالحنفية السمحة ، قد فقدوا الحق في هذه الولاية . ولذا قال تعالى:{ وما كانوا أولياءه} أي ما استمرت لهم هذه الولاية ، لأن ( كان ) تدل على الاستمرار وفيها نفى لهذا الاستمرار .
والولاية الحق تكون لمن كانوا على ملة إبراهيم السمحة ؛ ولذا قال:{ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ} ، هذا قصر للولاية على الموحدين المؤمنين الذين بلغوا ذروة الإيمان ، وهي التقوى{ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} ، أنفسهم وضلالهم فلا يستحق الولاية المؤمن فقط ، بل المؤمن الذي يتقي الله ويحفظ حرمات بيته ، قال عز من قائل:{ إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ( 18 )} ( التوبة ) .
وإن هؤلاء المشركين لا يعرفون شيئا مما يليق بهذا البيت العتيق الذي هو أقدس بيت في هذه الأرض ؛ لذا ذكر سبحانه ، كيف يتعبدون في هذا البيت عابثين ، غير مؤمنين .
{ وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} .