القول في تأويل قوله:وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
واختلف أهل العربية في وجه دخول "أن "في قوله:"وما لهم ألا يعذبهم الله ".
فقال بعض نحويي البصرة:هي زائدة ههنا, وقد عملت كما عملت "لا "وهي زائدة, وجاء في الشعر:(1)
لَـوْ لَـمْ تَكـنْ غَطَفَـانُ لا ذُنُوبَ لَهَا
إلَــيَّ, لامَ ذَوُو أحْسَــابِهَا عُمَــرَا (2)
وقد أنكر ذلك من قوله بعض أهل العربية وقال:لم تدخل "أن "إلا لمعنى صحيح, لأن معنى:"وما لهم "، ما يمنعهم من أن يعذبوا. قال:فدخلت "أن "لهذا المعنى, وأخرج ب "لا ",ليعلم أنه بمعنى الجحد, لأن المنع جحد. قال:و "لا "في البيت صحيح معناها, لأن الجحد إذا وقع عليه جحد صار خبرًا. (3)
وقال:ألا ترى إلى قولك:"ما زيد ليس قائما ",فقد أوجبت القيام؟ قال:وكذلك "لا "في هذا البيت. (4)
* * *
القول في تأويل قوله:وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34)
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره:وما لهؤلاء المشركين ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام, ولم يكونوا أولياء الله= "إن أولياؤه "، (5) يقول:ماأولياء الله= "إلا المتقون ",يعني:الذين يتقون الله بأداء فرائضه, واجتناب معاصيه. (6)
= "ولكن أكثرهم لا يعلمون "يقول:ولكن أكثر المشركين لا يعلمون أن أولياء الله المتقون، بل يحسبون أنهم أولياء الله .
* * *
وبنحو ما قلنا قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16018 - حدثني محمد بن الحسين قال:حدثنا أحمد بن المفضل قال:حدثنا أسباط, عن السدي:"وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون "، هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
16019 - حدثني محمد بن عمرو قال:حدثنا أبو عاصم قال:حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله:"إن أولياؤه إلا المتقون "، مَن كانوا، وحيث كانوا.
16020- حدثني المثنى قال:حدثنا أبو حذيفة قال:حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
16021 - حدثنا ابن حميد قال:حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق:"وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون "، الذين يحرمون حرمته, (7) ويقيمون الصلاة عنده, أي:أنت= يعني النبي صلى الله عليه وسلم= ومن آمن بك= يقول:"ولكن أكثرهم لا يعلمون ". (8)
---------------------
الهوامش:
(1) هو الفرزدق .
(2) سلف البيت وتخريجه 5:302 ، 303 ، وروايته هناك:"إذن للام ذود أحسابها "، وقد فسرته هناك ، وزعمت أن "الذنوب "بفتح الذال بمعنى:الحظ والنصيب عن الشرف والحسب والمروءة .
أمَّا رواية البيت كما جاءت هنا ، وفي الديوان ، توجب أن تكون "الذنوب "جمع "ذنب ".فهذا فرق ما بين الروايتين والمعنيين .
(3) يعني بقوله:"خبرًا "، أي:إثباتًا .
(4) انظر معاني القرآن للفراء 1:163 - 166 ، وما سلف من التفسير 5:300 - 305 .
(5) انظر تفسير "ولي "فيما سلف من فهارس اللغة ( ولي ) .
(6) وتفسير "التقوى "فيما سلف من فهارس اللغة ( وقى ) .
(7) في المطبوعة والمخطوطة مكان:"يحرمون حرمنه "، "يخرجون منه "، وهذا من عجائب التحريف من طريق الاختصار !! ، والصواب من سيرة ابن هشام .
(8) الأثر:16021 - سيرة ابن هشام 2:325 ، 326 ، وهو تابع الأثر السالف رقم:16003 .