ولكن المؤمنين مطمئنين لما يقضي الله به تعالى لا يستطيرهم نصر ، ولا يخذلهم قرح ، بل إنهم يقدمون متوكلين عليه سبحانه ، إن أصابتهم حسنة لم يستطيروا بها ، بل يستعدون لما بعدها ، وإن أصابتهم نكبة رضوا ، وعلموا أن الله تعالى قد قدر لهم ما فيه خير . ولذلك قال تعالى:
{ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( 51 )}
أمر الله تعالى نبيه أن يقول ما هو تفويض إليه سبحانه ، وما فيه توقع الخير ، حتى فيما يكون في ذاته نكبة أو شدة ، إذ قد يكون وراءه خير ، أو خير قد اختفى في هذه الشدة ، كما قال تعالى:{. . . . وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ( 216 )} ( البقرة ) .
فعسى هذه الشدة يكون فيها خير كثير ، ولو كانت مكروهة ، كما قال تعالى:{. . . . فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ( 19 )} ( النساء ) ولذا قال:{ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا} ، أي إنه ليس لنا أن نتبين إن أصابتنا كارثة أو نكبة ، فقد تكون كارثة تنبهنا إلى خطأ وقعنا فيه فيكون هذا التنبيه خيرا لنا ، وواقيا لنا من أن نقع في مثله ، وفوق ذلك فإن المستقبل يكون خيرا لنا لننال الحسنى إن قتلنا ، ففضل الشهادة خير مما تفرحون .
{ هو مولانا} أي هو في اعتقادنا وإيماننا مولانا وناصرنا ، ومتولي أمورنا فيما وقع وما يقع ، ومن كان الله ناصره لا يخذل ، ومن كان الله معه ، فإن العاقبة له إن لم يكمن في هذه الدنيا ، ففي الآخرة ، وفيها النعيم المقيم .
{ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} أي عليه وحده يتوكل المؤمنون ، وقد أمرنا بذلك ، وتقديم الجار والمجرور للإشارة إلى أن الله تعالى هو الذي يتوكل عليه المؤمنون ، فلا يتوكلون على أحد سواه ، ولا يرجون غيره ، ولا يعتمدون إلا عليه ، و( الفاء ) لفصل الفعل الأمر عن الإخبار .
والأمر هنا بالتوكل لا ينافي العمل ، فالعمل بالأسباب الدنيوية أولا ، ولكن يجب عليه لكي ينجح العمل أن يقرن به التوكل ، فالأسباب وحدها ( لا تكفي ) إلا بفضل من الله وتوفيقه ، فالاتكال من غير عمل تواكل ، والعمل من غير توكل على الله غرور ، وتمرد على الله سبحانه وتعالى .