ثم بين سبحانه وتعالى شعور المنافقين نحو المؤمنين .
قال تعالى:
إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ ( 50 ) قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( 51 ) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ ( 52 ) قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ ( 53 ) وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ ( 54 ) فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ( 55 ) وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ ( 56 ) .
إن المنافقين لم يندمجوا في أهل الإيمان ، ولم تتحد معهم مشاعرهم وأحاسيسهم ، فلم يكونوا منهم ، ولم يشعروا بما يشعر به أهل الإيمان ، فلا يشاركونهم في سرائهم ، إن أصابهم ما يسر ، ولا ضرائهم إن أصابهم ما يضر ، بل يناقضونهم مناقضة تامة ، فما يسرهم يسوءهم وما يضرهم يسرهم ، وكذلك شأن المنافقين في كل جماعة لا يشاركون في أحاسيسها ، ولذا قال في وصف هذه الحال:
{ إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} أي إن ينزل بكم أمر هو حسن في ذاته ، وعندكم ، ويملأ نفوسكم بالسرور يكون هذا سببا لآلامهم ، فسروركم مسيء لهم ؛ لأنهم يريدون أن تدور عليكم الدوائر ، فنصركم يوم بدر ساءهم ، وكذلك يوم الأحزاب ، ويوم مؤتة ، إذ رضيتم من الغنيمة بالإياب أمام مأتي ألف ، وأنتم ثلاثة آلاف ، وقتلتم منهم مقتلة مع قلة عددكم ، وإن لم تغنموا شيئا منهم .
{ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ} .
المصيبة مؤنث مصيب أي نازلة وشدة كارثة ، وأصلها كما ترى من أصاب ، ولكنها بالتاء غلبت في الشدائد والكوارث والنكبات ، فإذا أصاب المؤمنين نكبة أو قرح ، كما أصابهم يوم أحد ، قالوا:أخذنا أمرنا ، أي أننا استولينا على أمرنا من قبل فلم نعرض أنفسنا لمخاطر الحروب ونوازلها فنجونا من أن نقع فيما وقعوا فيه ، وكأنهم يشمتون في المؤمنين ، وقد وقع ما يتمنون ، ويصفون أنفسهم بأنهم أهل الحذر ، ليثيروا غضب من أطاعوا الرسول .
{ ويتولوا} معطوف على يقولوا ، أي وينصرفون إلى أهليهم وأصحابهم يتحدثون في أمر هذه النكبة وهم في فرح بها ؛ لأنها أصابت هوى في نفوسهم ، ولذا قال تعالى:( وهم فرحون ) أي والحال أنهم فرحون فرحا غمرهم ، ويصح أن يكون تولوا بمعنى أعرضوا عن الرسول غير مقبلين عليه مظهرين خبيئة نفوسهم ، وفي هذا ما يفيد أنهم جرءوا عليه ، وحسبوا أن الغد لهم ، وما هي إلا جولة ، حتى يكون الغلب لهم ، ولكن هيهات أن يكون ذلك ، فالهزيمة في معركة بعدها الظفر والنصر .