/م49
{ قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا} أي قل أيها الرسول لهؤلاء المنافقين الذين تفرحهم مصيبتك ، وتسوءهم نعمتك وغنيمتك ، لن يصيبنا إلا ما كتبه الله وأوجبه لنا بوعده في كتابه ، وتقديره لنظام سننه في خلقه ، من نصر وغنيمة وتمحيص وشهادة ، وضمان لحسن العاقبة .
{ هو مولانا} أي هو وحده مولانا يتولانا بالتوفيق والنصر ، ونتولاه باللجأ إليه ، والتوكل عليه ، فلا نيأس عند شدة ، ولا نبطر عند نعمة ، وقد قال لنا في وعده{ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير} [ الأنفال:39 ، 40] ، وقال في بيان سنته في خلقه{ أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم} [ محمد:10 ، 11] ، وقال في سنته في العواقب{ إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} [ الأعراف:128] .
{ وعلى الله فليتوكل المؤمنون} أمر مبني على ما قبله ، أي وإذ كان الله هو مولاهم فحق عليهم أن يتوكلوا عليه وحده دون غيره ، مع القيام بما أوجبه عليهم في شرعه ، والاهتداء بسننه في خلقه ، ومنها ما أخبرهم به من أسباب النصر المادية والمعنوية التي فصلها في سورة الأنفال وغيرها ، كإعداد ما تستطيع الأمة من قوة ، واتقاء التنازع الذي يولد الفشل ويفرق الكلمة ، وذلك بأن يكلوا إليه توفيقهم لما يتوقف عليه النجاح وتسهيل أسبابه التي لم يصل إليها كسبهم ، وما أجهل من يظن أن التوكل وكتابة المقادير يقتضيان ترك العمل والتدبير ، وقد بسطنا القول في الأمرين في مواضع من هذا التفسير .ويقابل التوكل عليه تعالى بالمعنى الذي ذكرناه ، وما أيدناه به من كتاب الله ، اتكال الماديين على حولهم وقوتهم وحدها ، حتى إذا ما أدركهم العجز وخانتهم القوة أمام قوة تفوقها ، خانهم الصبر ، وأدركهم اليأس ، إذ ليس لهم ما للمؤمنين من التوكل على ذي القوة التي لا تعلوها قوة ، وشر منه اتكال الخرافيين على الأوهام ، وتعلق آمالهم بالأماني والأحلام ، حتى إذا ما انكشفت أوهامهم ، وكذبت أحلامهم ، وخابت آمالهم ، نكسوا رؤوسهم ، ونكصوا على أعقابهم ، واستكانوا لأعدائهم ، وكفروا بوعد ربهم بنصر المؤمنين .ووعد الله أصدق من دعواهم الإيمان ، وإنما وعد بالنصر أولياءه لا أولياء الشيطان .