/م49
{ قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين} التربص التمهل في انتظار ما يرجى أو يتمنى وقوعه ، ومضمون هذا بدل مما قبله أو بيان له ، والحسنيان مثنى الحسنى وهي اسم التفضيل للمؤنث ، والاستفهام للتقرير والتحقيق ، والجملة تفيد الحصر ، أي قل لهم أيضا:هل تتربصون بنا أيها الجاهلون إلا إحدى العاقبتين اللتين كل واحدة منهما حسنى العواقب وفضلاها ، وهما النصرة والشهادة ، النصرة المضمونة للجماعة ، والشهادة المكتوبة لبعض الأفراد ؟ أي لا شيء ينتظر لنا غير هاتين العاقبتين مما كتب لنا ربنا وأنتم تجهلون ما تتربصون بنا .{ ونحن نتربص بكم} في مقابلة ذلك إحدى السوءيين:
{ أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا} الأولى أن يهلككم بقارعة سماوية لا كسب لنا فيها ، كما أهلك من قبلكم من الكافرين الذي كذبوا الرسل ، والثانية أن يأذن لنا بقتلكم ، إن أغراكم الشيطان بإظهار كفركم ، بهذا الاستدراج في الاستمرار على إجرامكم ، كما قال في سياق غزوة الأحزاب{ لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم} [ الأحزاب:60] الآيات ، وحكم الشرع أنهم لا يقتلون ما داموا يظهرون الإسلام بإقامة الشعائر وأداء الأركان ، ولا سيما الصلاة والزكاة .ولم تذكر هاتان العاقبتان لهم بصيغة الحصر كعاقبتي المؤمنين لجواز أن يتوبوا عن نفاقهم ويصح إيمانهم ، وقد تاب بعضهم ، واعترفوا بما كانوا عليه بعد ظهور أمرهم ، كالذين أخبرهم النبي بما اءتمروا به من اغتياله صلى الله عليه وسلم .ومن المعقول أن يكون أكثر الباقين تابوا بعد أن أنجز الله لرسوله جميع ما وعده به ، ووقع ما كانوا يحذرونه من تنزيل سورة تنبئهم بما في قلوبهم ، ومنها فضيحته تعالى لزعيمهم الذي مات على كفره .ولو ذكر ذلك في التنزيل بصيغة الحصر لكان خبراً بخلاف ما سيقع وهو هلاكهم بكفرهم بدون الشرط الذين بيناه .
{ فتربصوا إنا معكم متربصون} أي وإذ كان الأمر كذلك فتربصوا بنا إنا معكم متربصون ما ذكر من عاقبتنا وعاقبتكم ، إن أصررتم على كفركم وظهر أمركم ، مما نحن فيه على بينة من ربنا ولا بينة لكم ، ويا الله ما أبلغ الإيجاز في حذف مفعولي تربصهما وفي التعبير عن تربص المؤمنين بالصفة الدالة على تمكن الثقة من متعلقه !