قوله تعالى:{فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ 4 الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ 5} .
اختلف في المصلين الذين توجه إليهم الوعيد بالويل هنا .
والجمهور: على أنهم الذين يسهون عن أدائها ،ويتساهلون في أمر المحافظة عليها .
وقيل: عن الخشوع فيها وتدبر معانيها .
ولكن الصحيح أنه الأول .
وقد جاء عن عطاء وعن ابن عباس أنهما قالا: الحمد للَّه الذي قال{عن صلاتهم} ،ولم يقل في صلاتهم ،كما أن السهو في الصلاة لم يسلم منه أحد ،حتى إنه وقع من النَّبي صلى الله عليه وسلم لما سلم من ركعتين في الظهر كما هو معلوم من حديث ذي اليدين ،وقال:"إني لا أنسى ،ولكني أنسى لأسنَّ "،فكيف ينسيه الله ليسنَّ للناس أحكام السهو ،ويقع الناس في السهو بدون عمد منهم .
وقد قال صلى الله عليه وسلم:"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ،وما استكرهوا عليه ".
وقد عقد الفقهاء باب سجود السهو تصحيحاً لذلك .
لذلك بقي من المراد بالذين هم عن صلاتهم ساهون .
قيل: نزلت في أشخاص بأعيانهم .
وقيل: في كل من أخَّر الصلاة عن أول وقتها ،أو عن وقتها كله ،إلى غير ذلك ،أو عن أدائها في المساجد وفي الجماعة .
وقيل: في المنافقين .
وفي السورة تفسير صريح لهؤلاء ،وهو قوله تعالى:{الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ 6 وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} .
والمرائي في صلاته قد يكون منافقاً ،وقد يكون غير منافق .
فالرياء أعم من جهة ،والنفاق أعم من جهة أخرى ،أي قد يرائي في عمل ما ،ويكون مؤمناً بالبعث والجزاء وبكل أركان الإيمان ،ولا يرائي في عمل آخر ؛بل يكون مخلصاً فيه كل الإخلاص .
والمنافق دائماً ظاهره مخالف لباطنه في كل شيء ،لا في الصلاة فقط .
ولكن جاء النص: بأن المراءاة في الصلاة ،من أعمال المنافقين .
وجاء النص أيضاً بأن منع الماعون من طبيعة الإنسان إلا المصلين ،كما في قوله تعالى:{إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعا 19 إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً 20 وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً 21 إِلاَّ الْمُصَلِّينَ} .
وقد تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ،بيان السهو عنها وإضاعتها عند قوله تعالى:{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصَّلاةَ وَاتَّبَعُواْ الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً 59 إِلاَّ مَن تَابَ} الآية .
وبين في آخر المبحث تحت عنوان: مسألة في حكم تاركي الصلاة جحداً أو كسلاً .وزاده بياناً ،عند قوله تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ} في دفع إيهام الاضطراب للجمع بين هذه الآية وآية{مَا سَلَكَكُمْ في سَقَرَ} .
وذكر قول الشاعر:
* دع المساجد للعباد تسكنها *
على ما سنذكره بعد ،ثم نبه قائلاً: إذا كان الوعيد عمن يسهو عنها فكيف بمن يتركها ؟ا ه .
وقد تساءل بعض المفسرين عن موجب اقتران هذه الآية بالتي قبلها .
وأجابوا: بأن الكل من دوافع عدم الإيمان بالبعث ،ومن موجبات التكذيب بيوم الدين ،فهي مع ما قبلها في قوة ،فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين ،وعن صلاتهم ساهون ،فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون .
فجمعهم مع الأول ،ونص على وعيده الشديد ،وبين وصفاً لهم ،وهو أنهم يمنعون الماعون .
تنبيه
في هذه السورة ،وفي آية{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ}- التي هي من صفات المؤمنين- معادلة كبيرة .
إحداهما: في المنافقين تاركي الصلاة أو مضيعيها .
والأخرى في المؤمنين المحافظين عليها ،أي إن الصلاة هي المقياس والحد الفاصل .
وعليه قوله صلى الله عليه وسلم:"العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ،فمن ترك الصلاة فقد كفر ".
أما أثر الصلاة في الإسلام ،وعلى الفرد والجماعة ،فهي أعظم من أن تذكر .
وقد وجدنا بعض آثارها وهو المراءاة في العمل ،أي ازدواج الشخصية والانعزال في منع الماعون ،أي لا يمد يد العون ولو باليسير لمجتمعه الذي يعيش فيه ،وقد جاءت نصوص صريحة في مهمة الصلاة عاجله وآجله .
ففي العاجل قوله تعالى:{إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَي عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} ،ومن الفحشاء: دع اليتيم ،وعدم إطعام المسكين ،في الدرجة الأولى .
ومنها: كل رذيلة منكرة ،فهي إذن سياج للإنسان يصونه عن كل رذيلة .وهي عون على كل شديدة ،كما قال تعالى:{وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} فجعلها قرينة الصبر في التغلب على الصعاب ،وهي في الآخرة نور ،كما قال تعالى:{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم} الآية ،مع قوله صلى الله عليه وسلم:"إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء ".