قوله تعالى:{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ الَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ} .
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أنه أمر نبيه لوطاً أن يسري بأهله بقطع من الليل ،ولم يبين هنا هل هو من آخر الليل ،أو وسطه أو أوله ،ولكنه بين في القمر أن ذلك من آخر الليل وقت السحر ،وذلك في قوله:{إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} [ القمر: 34] .ولم يبين هنا أنه أمره أن يكون من ورائهم وهم أمامه ،ولكنه بين ذلك في الحجر بقوله:{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ الَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} .[ الحجر: 65] .
وقوله تعالى:{وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ} [ 81] .
قرأه جمهور القراء{إِلاَّ امْرَأَتَكَ} بالنصب ،وعليه فالأمر واضح ؛لأنه استثناء من الأهل ،أي أسر بأهلك إلا امرأتك فلا تسر بها ،واتركها في قومها فإنها هالكة معهم .
ويدل لهذا الوجه قوله فيها في مواضع .{كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} [ الأعراف: 83] والغابر: الباقي ،أي من الباقين في الهلاك .
وقرأ أبو عمرو وابن كثير{إِلاَّ امْرَأَتَكَ} بالرفع على أنه بدل من{أَحَدٌ} وعليه فالمعنى: أنه أمر لوطاً أن ينهي جميع أهله عن الالتفات إلا امرأته فإنه أوحى إليه أنها هالكة لا محالة ،ولا فائدة في نهيها عن الالتفات لكونها من جملة الهالكين .
وعلى قراءة الجمهور فهو لم يسر بها .وظاهر قراءة أبي عمرو وابن كثير: أنه أسرى بها والتفتت فهلكت .
قال بعض العلماء: لما سمعت هدة العذاب التفتت وقالت: واقوماه .فأدركها حجر فقتلها .
قال مقيدهعفا الله عنهالظاهر أن وجه الجمع بين القراءتين المذكورتين أن السر في أمر لوط بأن يسري بأهله هو النجاة من العذاب الواقع صبحاً بقوم لوط ،وامرأة لوط مصيبها ذلك العذاب الذي أصاب قومها لا محالة ،فنتيجة إسراء لوط بأهله لم تدخل فيها امرأته على كلا القولين ،وما لا فائدة فيه كالعدم ،فيستوي معنى أنه تركها ولم يسر بها أصلاً ،وأنه أسرى بها وهلكت مع الهالكين .
فمعنى القولين راجع إلى أنها هالكة وليس لها نفع في إسراء لوط بأهله .فلا فرق بين كونها بقيت معهم ،أو خرجت وأصابها ما أصابهم .
فإذا كان الإسراء مع لوط لم ينجها من العذاب ،فهي ومن لم يسر معه سواءوالعلم عند الله تعالى .
وقوله{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} قرأه نافع وابن كثير «فاسْرِ » بهمزة وصل ؛من سرى يسري ،وقرأه جمهور القراء{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} بقطع الهمزة ،من أسرى الرباعي على وزن أفعل .وسرى وأسرى: لغتان وقراءتان صحيحتان سبعيتان ،ومن سرى الثلاثية ،قوله تعالى:{وَالَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [ الفجر:4] فإن فتح ياء{يَسْرِ} يدل على أنه مضارع سرى الثلاثية .
وجمع اللغتين قول نابغة ذبيان:
أسرت عليه من الجوزاء سارية ***تزجى الشمال عليها جامد البرد
فإنه قال: أسرت ،رباعية في أشهر روايتي البيت .وقوله: سارية .اسم فاعل سرى الثلاثية ،وجمعهما أيضاً قول الآخر:
حتى النضيرة ربة الخدر ***أسرت إليك ولم تكن تسري
بفتح تاء «تسري » واللغتان كثيرتان جداً في كلام العرب .ومصدر الرباعية الإسراء على القياس ،ومصدر الثلاثية السرىبالضمعلى وزن فعلبضم ففتحعلى غير قياس ،ومنه قول عبد الله بن رواحة:
عند الصباح يحمد القوم السرى*** وتنجلي عنهم غيابات الكرى
قوله تعالى:{إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ} [ 81] الآية .
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أن موعد إهلاك قوم لوط وقت الصبح من تلك الليلة ،وكذلك قال في الحجر في قوله:{وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآْءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ} [ الحجر:66] وزاد في الحجر أن صبيحة العذاب وقعت عليهم وقت الإشراق وهو وقت طلوع الشمس بقوله:{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ} [ الحجر:73] .