وقوله في هذه الآية الكريمة:{صَعِيداً} أي أرضاً بيضاء لا نبات بها .وقد قدمنا معنى «الصعيد » بشواهده العربية في سورة «المائدة » .
والجرز: الأرض التي لا نبات بها كما قال تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ الماء إِلَى الأرض الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ 27} ومنه قول ذي الرمة:
طوى النحز والأجراز ما في غروضها *** وما بقيت إلا الضلوع الجراشع
لأن مراده «بالأجراز » الفيافي التي لا نبات فيها ،والأجراز: جمع جرزة ،والجرزة: جمع جرز ،فهو جمع الجمع للجرز ،كما قاله الجوهري في صحاحه .
قال الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة{وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا} من هذه الزينة صعيداً أو جرزاً ،أي مثل أرض بيضاء لا نبات فيها بعد أن كانت خضراء معشبة في إزالة بهجته ،وإماطة حسنه ،وإبطال ما بهكان زينة من إماتة الحيوان ،وتجفيف النبات والأشجار ا ه .
وهذا المعنى المشار إليه هنا جاء مبيناً في مواضع أخر ،كقوله:{إِنَّمَا مَثَلُ الحياة الدُّنْيَا كماء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السماء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرض مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ والأنعام حَتَّى إِذَآ أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أهلها أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أتاها أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بالأمس كَذلك نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ 24} ،وكقوله تعالى:{وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الحياة الدُّنْيَا كماء أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرض فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شيء مُّقْتَدِرًا} إلى غير ذلك من الآيات .
وقوله في هذه الآية الكريمة{لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً 7} أي لنختبرهم على ألسنة رسلنا .
وهذه الحكمة التي ذكرها هنا لجعل ما على الأرض زينة لها وهي الابتلاء في إحسان العملبين في مواضع أخر أنها هي الحكمة في خلق الموت والحياة والسماوات والأرض ،قال تعالى:{تَبَارَكَ الذي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِير 1الذي خَلَقَ الْمَوْتَ والحياة لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ 2} ،وقال تعالى:{وَهُوَ الذي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض في سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الماء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} .
وقد بين صلى الله عليه وسلم الإحسان بقوله: «أن تعبد الله كأنك تراه ،فإن لم تكن تراه فإنه يراك » كما تقدم .
وهذا الذي أوضحنا من أنه جل وعلا جعل ما على الأرض زينة لها ليبتلى خلقه ،ثم يهلك ما عليها ويجعله صعيداً جرزاًفيه أكبر واعظ للناس ،وأعظم زاجر عن إتباع الهوى ،وإيثار الفاني على الباقي ،ولذا قال صلى الله عليه وسلم: «إن الدنيا حلوة خضرة ،وإن الله مستخلفكم فيها فانظروا ماذا تعملون .فاتقوا الدنيا ،واتقوا النساء ،فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء » .