ثمّ يبيّن تعالى أنَّ أشياء الحياة الدنيا ليست ثابتة ولا دائمة ،بل مصيرها إلى المحوِ والزوال: ( وإنّا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً ) .
«صعيد » مُشتقّة مِن «صعود » وهي هُنا تعني وجه الأرض ،الوجه الذي يتّضح فيه التراب .
و«جرز » تعني الأرض التي لا ينبت فيها الكلأ وكأنّما هي تأكل نباتها ،وبعبارة أُخرى فإِنّ «جرز » تطلق على الأرض الموات بسبب الجفاف وقلّة المطر .
إِنَّ المنظر الذي نشاهدهُ في الربيع في الصحاري والجبال عندما تبتسم الورود وتتفتح النباتات ،وحيثُ تتناجى الأوراق ،وحيثُ خرير الماء في الجداول ...إِنَّ هذه الحالة سوف لا تدوم ولا تبقى ،إِذ لا بدَّ أن يأتي الخريف ،حيث تتعرى الأغصان وتنطفئ البسمة مِن شفاه الورود ،وتذبل البراعم ،وتجف الجداول ،وتموت الأوراق ،وتسكت فيها نغمة الحياة .
حياة الإِنسان المادية تشبه هذا التحوُّل ،فلا بدُّ أن يأتي ذلك اليوم الذي يضع نهاية للقصور التي تُناطح السماء ،وللملابس الباذخة والنعم الكثيرة التي يَرفُل بها الإِنسان ،كذلك تنتهي المناصب والمواقع والاعتبارات ،وسوف لن يبقى شيء من المجتمعات البشرية سوى القبور الساكنة اليابسة ،وهذا درسٌ عظيم .