وقوله في هذه الآية الكريمة:{وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً 86} السوق معروف .والمجرمون: جمع تصحيح للمجرم ،وهو اسم فاعل الإجرام .والإجرام: ارتكاب الجريمة ،وهي الذنب الذي يستحق صاحبه به النكال والعذاب .ولم يأت الإجرام في القرآن إلا من أَجرم الرباعي على وزن أَفعل .ويجوز إتيانه في اللغة بصيغة الثلاثي فتقول: جَرم يجْرمُ كضرب يضرِب .والفاعل منه جارم ،والمفعول مجْروم ،كما هو ظاهر ،ومنه قول عمرو بن البراقة النّهمي:
وننصر مولانا ونعلم أنه *** كما الناس مجروم عليه وجارمُ
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة{وِرْداً} أي عطاشاً .وأصل الورد: الإتيان إلى الماء ،ولما كان الإتيان إلى الماء لا يكون إلا من العطش أطلق هنا اسم الورد على الجماعة العطاش ،أعاذنا الله والمسلمين من العطش في الآخرة والدنيا .ومن إطلاق الورد على المسير إلى الماء قول الراجز يخاطب ناقته:
ردي ردي ورد قطاة صما *** كدرية أعجبها برد الماء
واختلف العلماء في العامل الناصب لقوله{يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ} فقيل منصوب ب{يَمْلِكُونَ} بعده .أي لا يملكون الشفاعة يوم نحشر المتقين .واختاره أبو حيان في البحر .وقيل: منصوب ب«اذكر » أو احذر مقدراً .وفيه أقوال غير ذلك .
وهذا الذي تضمنته هذه الآية الكريمة جاء مبيناً في غير هذا الموضع كقوله تعالى في سورة «الزمر »:{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى قِيلَ ادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ 72 وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى الّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ 73} .