قوله تعالى:{وَكَذلك جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} الآية .
أي: خيارًا عدولاً .ويدل لأن الوسط الخيار العدول قوله تعالى:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ،وذلك معروف في كلام العرب ،ومنه قول زهير:
هم وسط يرضى الأنام لحكمهم *** إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم
قوله تعالى:{وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} .
لم يبين هنا هل هو شهيد عليهم في الدنيا أو الآخرة ؟ولكنه بيّن في موضع آخر أنه شهيد عليهم في الآخرة ،وذلك في قوله:{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيداً 41 يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأرض وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً 42} .
قوله تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ التي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ} الآية .
ظاهر هذه الآية قد يتوهم منه الجاهل أنه تعالى يستفيد بالاختبار علمًا لم يكن يعلمه ،سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا بل هو تعالى عالم بكل ما سيكون قبل أن يكون .وقد بيّن أنه لا يستفيد بالاختبار علمًا لم يكن يعلمه بقوله جلّ وعلا:{وَلِيَبْتَلِىَ اللَّهُ مَا في صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحّصَ مَا في قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ 154} ،فقوله:{وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور 154ِ} ،بعد قوله:{ولِيَبْتَلِي} ،دليل قاطع على أنه لم يستفد بالاختبار شيئًا لم يكن عالمًا به ،سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا ؛لأن العليم بذات الصدور غني عن الاختبار ،وفي هذه الآية بيان عظيم لجميع الآيات التي يذكر اللَّه فيها اختباره لخلقه ،ومعنى{إِلاَّ لِنَعْلَمَ} أي علمًا يترتب عليه الثواب والعقاب فلا ينافي أنه كان عالمًا به قبل ذلك ،وفائدة الاختبار ظهور الأمر للناس .أما عالم السر والنجوى فهو عالم بكل ما سيكون ،كما لا يخفى وقوله:{مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} أشار إلى أن الرسول هو محمّد صلى الله عليه وسلم بقوله مخاطبًا له:{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ التي كُنتَ عَلَيْهَآ} الآية ؛لأن هذا الخطاب له إجماعًا .
قوله تعالى:{وما كان الله ليضيع إيمانكم} .
أي صلاتكم إلى بيت المقدس على الأصح ،ويستروح ذلك من قوله قبله:{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ التي كُنتَ عَلَيْهَآ} الآية ،ولاسيما على القول باعتبار دلالة الاقتران ،والخلاف فيها معروف في الأصول .